اِبني على صحّ
ينصحنا المثل اليمني أعلاه بالبناء على الصِّحّ، أي الأرض المستقرّة الصّلبة. يُضرب هذا المثل في الاهتمام بأساس الشّّيء. في هذا العدد الخامس، يفحص مساهمو ومساهمات مجلة العربيّة السّعيدة ما يلزم لإعداد أساس متين، يتسنى بناء مستقبل التّعايش عليه. مِن أوّل عدد من العربيّة السّعيدة، وضح أن عملنا المتواصل والمكثف هو جعل أرض التّعايش صلبة ومستقرّة من خلال ذكر نماذج قادرة على التّعايش في جميع أنحاء اليمن. ستعود أجيال اليمن القادمة، بنات وأبناء يمن اليوم، بنظراتها إلى هذه اللّحظة وإلى هذه الأرض التي نعدُّها اليوم وستحكم على عملنا: هل نجحنا؟ هل جعلنا اليوم صحّ لغدِّ التّعايش؟ هل هذه الأرض صلبة ومستقرّة بما يكفي لتَحْمِلَ أحلامهم؟
اعمل لك في كل وادي دار
مئات الوديان تغطي أرض اليمن، ولكل وادي ما يميزه عن الآخر. لا يقتصر هذا التنوع على طبيعة اليمن فحسب، بل يضم كذلك مختلف الناس، الثقافات والمجتمعات. نعيش هذا التنوع في ماضينا وحاضرنا، عبر ذكرياتنا وفي حياتنا اليومية. تشجعنا دعوة المثل اليمني القديم لعمل دار في كل وادي على إيجاد ما هو مألوف في كل مكان جديد. بهذه الروح المتطلِّعة، يأخذنا المساهمون والمساهمات في مجلة العربية السعيدة في رحلة تتميز بلقاءات مع التاريخ والجغرافيا. في كل لقاء جديد، نعمل على كشف تلك الأجزاء التي تربطنا بالآخر، سواء كان قريبًا، جارًا أو غريبًا. عمل دار في كل وادي يعني الشعور بالطمأنينة والانتماء في كل مكان نحِلّ عليه، سواء لنستريح فيه قبل أن نكمل المشوار، أو لنستقر فيه لمدة أطول.
مَا ذَلِكَ الشَّدْو؟
مَنْ شَاِديه؟
إِنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ بِلْقِيس هَذَا اللَّحْنُ وَالوَتَرُ
خلّفت المئات من ممالك وحضارات شبه الجزيرة العربية بصماتها في اليمن. مازالت أصداء هذه الثقافات، التي يعود تاريخ الكثير منها لما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة، تتردد بوضوح في سبأ، أرض بلقيس، ملكة من أشهر الحكام في تاريخ البشر. يرى الشاعر اليمني عبدالله البردوني أن أرض بلقيس هي أرض الشدو، اللحن والوتر. في هذا العدد، نكتشف اليمن من خلال أنغامه وقصصه التي تشكل أوتاد ثقافات اليمن، ونتعرف على تصورات جديدة لثقافات العربية السعيدة، اسم اليمن القديم، عبر أعمال، شغف وآمال بناتها وأبنائها. يشارك مساهمات ومساهمو مجلة العربية السعيدة قصصًا للاحتفال، الإبداع والتواصل مع ثقافات مختلفة، تُقدِّم، بكل تشابكاتها السرمديَّة، إلهامًا ملموسًا للحظات راهنة وقادمة.
هناك عنصران أساسيان لبناء مجتمع سليم؛ الأول أساس مشترك مُوحّد والثاني احترام عميق للتّنوع. يسعى المثل اليمني أعلاه إلى نقل هذه الفكرة تحديدًا: يعتمد كل نظام أو هيكل على الأفراد الذين يُشكِّلونه وعلاقاتهم بعضهم ببعض. قد تكون كل سمكة من نوع مختلف، لكنها تشترك مع غيرها في نظام بيئي واحد: البحر. إذا هيمن نوع واحد على هذه البيئة، فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى انهيار الهيكل. على المدى الطويل، تتطلّب سلامة أي هيكل الترابط والاعتماد المتبادل بين أفراده، سواء كان الهيكل كبيرًا أو صغيرًا، بسيطًا أو معقّدًا. في هذا العدد، فحص لنا مساهمو ومساهمات مجلة العربية السعيدة عددًا من أنظمة وهياكل اليمن، ووجدوا أن الكثير منها يأتي بالأمل وخطط عمل بنّاءة تركّز على ترسيخ تغيير إيجابي في المجتمع.
يشير هذا المثل اليمني القديم إلى أن احترام التنوّع مع الإحساس بالوحدة وممارستها هو جوهر التّعايش – فالأصابع المختلفة تجتمع كلّها في يد واحدة. ربما لا شيء يجسّد ذلك أفضل من الفنّ. عندما ننظر إلى قطعة فنيّة، نرى الجمال، الذي في قلبه يكمن تنوّع العناصر المتآلفة. يستطيع كل عنصر الوقوف وحيدًا وبتميُّز. كل لون، مادّة أو مشهد له سمات تجعله مختلفًا. عندما تجتمع كل هذه الألوان، المواد، والمشاهد في سيمفونية تعايش، فهي تخلق ما هو أسمى، ما يتجاوز مجرّد مجموع عناصرها – إنها تخلق الجمال.