يتعمّدّ الكثير من اليمنيين واليمنيات دفن ملامحهم الجميلة والظّهور بصورة خشنة. يقول المثل اليمني زنجبيل بغباره، أي أن القيمة لا تكمن في المظهر، فالزّنجبيل بفوائده الكثيرة لا يوجد دون الغبار الّذي يغطيه. هذا ويعدّ لبس الرجال البنطلون، حلاقة الشّعر بطريقة مهذبة والتّجمّل تخلّيا عن الرّجولة في عدد من المناطق اليمنيّة. أما تزّين المرأة لزوجها واستخدام النساء للمكياج في المناسبات والأفراح فيعدّ عيبًا ومخالفًا لأعراف القبيلة.
«الكلام عن الجمال الجسدي محدود في اليمن.»
حتى الكلام عن الجمال الجسدي محدود في اليمن، ويتم تبادله بين الذكور بصورة فرديّة شبيهة بتبادل الأسرار. أما لدى الإناث، فالأمر أشدّ وقد يرتقي لحدّ الجريمة. ندرة التعرّض للجمال الجسدي للجنسين تصل كذلك للأدب اليمني بأنواعه، كما يقول الدكتور خالد قاسم، الحاصل على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة صنعاء.
«واجه بعض الأدباء اليمنيّين إيذاء نتيجة ذلك، حتى في قاعات الجامعات لاقى بعض الأساتذة تهديدات واحتجاجات عدة، لمجرد الاقتراب من أعمال أدبية تتعرّض بمضامينها بشكل أو بآخر للجمال الجسدي البشري»، يقول قاسم.
التهرّب من والتغاضي عن المظاهر الجميلة والحديث عنها لا يعني عدم وجود معايير للجمال الجسدي. في اليمن، تقترب هذه المقاييس بمعايير التّفضيل السّائدة لدى المجتمعات العربيّة وربما غير العربيّة بين الجنسين، كالطّول، الرّشاقة وبياض البَشرة، حسب قاسم. تتفق الدكتورة سامية الأغبري، الأستاذة بكلية الإعلام في جامعة صنعاء، مع هذا التّقييم، فهي ترى كذلك أن لون البَشرة البيضاء والطول والرشاقة من أهمّ معايير الجمال المعتمدة في المجتمع اليمني. «السّمنة إن زادت قليلًا قد يُنظر لها بنظرة سلبيّة ويتم السّخرية والتندّر عليها»، حسب الأغبري.
تختلف هذه المعايير الجمالية من الرّجال إلى النّساء، فالرّجل السّمين لا يُستهجن منه كثيرًا، والكثير من الرّجال اليمنيّين ذوي بطون كبيرة لعدم ممارستهم الرّياضة وعدم اهتمامهم بالأكل الصحي. إضافة إلى ذلك، الصّلع أو قصر القامة لا تنتقص من جمال الرّجل وقدره في المجتمع.
«كما يساعد التنوّع الجيني على الحماية من المرض فيزيولوجيًا، فإن التنوّع المجتمعي يحمينا كذلك من تلك الأمراض المجتمعيّة مثل التّمييز.»
يبقى لون البَشرة هو معيار التّمييز الأول فيما يخصّ الجمال الجسدي، حيث ينظر غالبية اليمنيين لأصحاب البَشرة السوداء بالدونية والنقص، خاصة ذوي الأصول الأفريقيّة. يجعل ذلك اختلاط الأشخاص ذوي البشرة المختلفة قليل الحدوث، ما يؤدى مثلًا إلى ندرة الزّواج المختلط بين الأعراق. يتعرّض النساء والرجال سواسيّة للتّدقيق في لون البَشرة، حيث إنه للون البشرة بالنسبة للكثيرين دلالة على الطبقة الاجتماعيّة التي ينتمى إليها الشّخص. يبقى هذا التّمييز متجذّرًا في اليمن، خاصّة في المناطق الجبليّة حيث بياض البَشرة منتشرٌ، مقارنة بسكان الوديان والسّواحل، حيث تكثُر البَشرة السمراء.
لا تتوقّف معايير الجمال عند ما سبق ذكره، فهي تختلف كذلك مع كلّ شخص. مثلًا، تقول الدكتورة سامية الأغبري إنها ترى في جمال الرّوح، لباقة اللّسان والأناقة في الشّكل والتّصرّف مقاييس مهمّة للجمال كذلك.
ومع تنوّع وتعدّد معايير الجمال، من الضّروري التّمحيص في الآليات التي تعمل بها تعاليمنا التاريخيّة وتجاربنا الشّخصية وأعرافنا السّائدة على تشكيل رؤانا وأذواقنا. عبر هذا التّحليل الدقيق، يمكننا التّمييز بين تلك المعايير المتوارثة التي تضرّ بمجتمعنا، من تلك التي تعبّر عن ذوقنا وحسّنا الجمالي الشخصي.
كما يساعد التنوّع الجيني على الحماية من المرض فيزيولوجيًا، فإن التنوّع المجتمعي يحمينا كذلك من تلك الأمراض المجتمعية التي تهدّدنا مثل التّمييز العنصري والطبقي. تمكّننا المبادرات المجتمعيّة والشخصيّة، التي تحتفل بمعايير جمالية تشجّع على الاختلاط والتعارف، من بناء مجتمع قويّ يدوم لأجيال قادمة.