«عرفت عدن المسرح منذ أكثر من قرن ونيف، كما سبقت البلاد العربية في أول ترجمة لمسرحية عالمية، وهي يوليوس قيصر لشكسبير، وذلك في العام ١٩١٠م، وقام بها السيد حمود الهاشمي، صاحب ومالك دور العرض السينمائية المشهورة.» هكذا يتذكر عبد العزيز عباس، الكاتب المسرحي السبعيني وأستاذ التمثيل المسرحي في معهد جميل غانم للفنون الجميلة، تاريخ المسرح في عدن.
في ١٩٠٤م، شهدت مدينة عدن أول مسرحية لفرقة هندية عابرة في طريقها إلى لندن لتقديم عروضها هناك. ازدهر العمل المسرحي خلال العقود اللاحقة.« شهدت المدينة نشاطًا ثقافيًا وفكريًا منذ أربعينيات القرن الماضي، وكانت هناك فرق مسرحية محدودة تقوم بنشاطاتها المسرحية العفوية»، يواصل عباس.
هذا وشهدت عدن نهضة مسرحية بعد تأسيس الفرق المسرحيّة في مديريات محافظة عدن في فترة سبعينيات القرن الماضي، وخاضت الفرق تنافسًا حميمًا فيما بينها، وتسابقت على المراكز الأولى في المهرجانات المسرحية، التي كانت تقيمها وزارة الثقافة على مدى سنوات حتى التسعينيات.
عرفت اليمن حربا مدمرة في ١٩٩٤م، نُهبت خلالها مسارح عدن، بما في ذلك المسرح الوطني. في ١٩٩٧م، قرّرت السلطات اليمنية في إغلاق مبنى المسرح الوطني في عدن، الذي كان أحد أهم الواجهات الثقافية على مستوى الجزيرة العربية.
العودة إلى عدن
منذ ٢٠٠٥م، تعمل فرقة خليج عدن على تقديم أعمال مسرحية تنال إعجاب المتفرجين. قدّمت الفرقة آنذاك مسرحية عائلة دوت كوم، عمل مسرحي تشهده البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، متخذة من دار سينما هريكن مسرحًا لها. ورغم بساطة وقِدم المسرح وافتقاره لأبسط التجهيزات الفنية، إلا أن الفرقة أعادت ترميمه وإضاءته بجهود ذاتية. تحكي مسرحية عائلة دوت كوم عن أب متحفظ يعتبر الكمبيوتر والانترنت أدوات خطيرة قد تفسد أخلاق أولاده. يقرّر إخراج الكومبيوتر من غرفة الأولاد إلى الصالة ليكون استخدامهم للكمبيوتر تحت رقابته المباشرة، الأمر الذي يعتبره الأولاد إهانة وقلة ثقة فيهم. يجعلهم هذا يقرّرون البدء باعتصام مفتوح في الصالة ليعبّروا عن احتجاجهم.
نسعى للعمل لنعيد للمسرح الوهج ونشعل لياليه الجميلة التي زيّنت عدن.»
كما شهد العام ٢٠٠٩م تقديم الفرقة عملها الجماهيري معك نازل، الذي تناول موضوع الزواج السياحي. قُدّمت المسرحية في عدن، صنعاء وبرلين، وأحدثت صدى جماهيريًا واسعًا. توالت أعمال الفِرْقَة المسرحية بعد ذلك، حيث انتجت مسرحية كرت أحمر عام ٢٠١٠م، التي تناولت عددََا من القضايا المجتمعية مثل الفساد وعمالة الأطفال، ومسرحية صرف صحي سنة ٢٠١٤م التي ركَّزت على الصراع بين فساد ما قبل الثورة، وفساد ما بعد الربيع العربي.
في ٢٠١٥م، أوقفت الحرب المسرح مرة أخرى، حتى منتصف العام ٢٠١٩م. شهدت المدينة بعد هذه السنة زخمًا غير مسبوق للمسرح، تمثّل في إطلاق فرقة خليج عدن لمسرحية على حُرُكرُك، بمعنى على حافة الهاوية، عمل اجتماعي يوضح، بقالب كوميدي، كيف تلقي الحروب ظلالها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن البسيط. تجاوزت عروض هذه المسرحية العشرين عرضًا، وأعادت مواطني عدن إلى طابور شباك التذاكر.
رغم هذا التعلق بالمسرح، إلاّ أن أحوال العمل المسرحي لم تتحسن، كما يقول مدير إدارة المسارح في عدن، محمد علي اليافعي. «لا يوجد في عدن غير مسرح صغير خال من مقومات المسارح الحقيقية من إضاءات وصوتيات»، يقول علي اليافعي. كما يعاني الممثلون من شح الدعم المادي مقابل الإنتاج الفني المسرحي الذي يقدّمونه، كما يفسّر الممثل المسرحي أحمد اليافعي، ٣٥ عامًا. «هناك إهمال شديد وطمس ممنهج للمسرح والهوية الثقافية في عدن»، يقول اليافعي. ولكن مع ذلك تستمر الأنشطة المسرحية. «نسعى للعمل وبذل جهد أكبر في إدارة المسارح لنعيد للمسرح الوهج ونشعل لياليه الجميلة التي زيّنت عدن منذ زمن»، يضيف اليافعي.