المساحة الآمنة للنساء والفتيات، حَسَبَ دليل صندوق الأمم المتحدة للسكان، هي «مكان رسمي أو غير رسمي تشعر فيه النساء والفتيات بالأمان» الجسدي والعاطفي. يشير مصطلح آمن في هذا السياق إلى غياب الصدمات، الإجهاد المفرط والعنف، أو الخوف من العنف أو سوء المعاملة. هذا مكان تشعر فيه النساء والفتيات، بكونِهنّ المستفيدات المعنيات، بالراحة، وتتمتّعن بحرية التعبير عن أنفسهن دون خوف من إطلاق الأحكام عليهن أو تعرّضهنّ للأذى.
تم تأسيس مساحة آمنة للنساء والفتيات في مدينة مأرب سنة ٢٠١٨م من أجل تخفيف معاناة النساء والفتيات المعنَّفات وتسهيل وصولهنّ إلى خدمات الرعاية الصحّية والنفسية، خاصة بين مجتمع النازحين والنازحات في المحافظة.
تضمّ المساحة الآمنة ١٧ موظفة وموظفًا بين إداريين، أخصائيين في علوم النفس، الاجتماع والقانون، فضلًا عن فريق ميداني يقوم بالتوعية، حسب حفصة الذيباني، منسِّقة المشروع.
تتنوّع خدمات المساحة الآمنة من الدعم النفسي الفردي والجماعي إلى الخدمات الاجتماعية والقانونية والصحية، إضافة إلى المساعدات النقدية. تركّز المساحة كذلك على محو الأمية والتمكين الاقتصادي للمرأة من خلال برنامج سُبل العيش وهو الخدمة الأهم والأبرز التي من خلالها تتم «مساعدة المرأة المعنَّفة على الثقة بنفسها والوقوف بثبات وقوة في مواجهة صعوبات الحياة»، كما تقول الذيباني.
«أصبحتُ إنسانة مختلفة تمامًا، وأبهرتُ كل من كان يعرف معاناتي»، تروي الناجية بدرية عبد الله*، ٤٠ عامًا وأم لثلاثة أطفال. «تحسّن وضعي المعيشي والنفسي وأصبحتُ مدرّبة خياطة وتفصيل في عدة أماكن»، تضيف عبد الله، التي حصلت على دورة تدريبية في الخياطة بالمساحة الآمنة، إضافة إلى تسلّمها ماكينة ومستلزمات الخياطة بدأت بهم عملها.
تقاليد ترفض حلولًا خارجية
«غياب الوعي المجتمعي بأهداف المساحة زاد من صعوبة عملهم»، يقول صالح قاسم المدير السابق لمنظمة الوصول الإنساني، التي بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان تموّل مساحة مأرب.
في دراسة تحت عنوان تأثير الحرب في العنف ضد النساء والفتيات في اليمن لمركز العربية السعيدة للدراسات، يعدّد الدكتور عبد الكريم غانم العوامل الاجتماعية والتاريخية والقانونية التي تجعل من العنف ضد النساء والفتيات أمرًا واقعًا لا يمكن تجاهله. تفسّر هذه الدارسة التضارب بين كون ضرب المرأة أو إهانتها عيبًا كبيرًا في الثقافة اليمنية وحق الأب أو الأخ في القيام بذلك من أجل تأديب الفتاة والمحافظة على شرف الأسرة.
من العيب كذلك التبليغ عن إساءة قام بها فرد قريب مثل الأب أو الزوج، لأن ذلك يُعدّ شأنًا داخليًا خاصًا بالأسرة. «هناك تضارُب بين العادات والتقاليد التي تفضّل الحلول الأسرية داخل البيت فقط»، يقول قاسم.
أما قانونيًا، «فلا يوجد في اليمن قانونٌ مصمّمٌ خصيصًا لحماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي»، حسب نفس الدراسة، «كما أنه لا يوجد قانونيًا حدٌّ أدنى للزواج». إضافة إلى ذلك، «تزيد أحكام قانون العقوبات من تعرّض المرأة للعنف، إذ تكتفي بأحكام مخفّفة للرجال المدانين
بما يُسمّى جرائم الشرف»، حيث لا تتجاوز العقوبة سنة سجن أو غرامة، حتى في حالة القتل.
كل يوم أستقبل حالات تطلب الاستشارة النفسية
في البداية، واجهت الأخصائية النفسية في المساحة فاطمة محسن، ٤٥ عاما، عدم تقبّل وامتناع نساء من الخضوع لجلسات الدعم النفسي. السبب وراء ذلك هو الوصمة السلبية المرتبطة بالعلاج النفسي. لكن مع مرور الوقت تغيّرت الأمور. «كل يوم استقبل حالات تطلب الاستشارة النفسية وتتراوح عدد الحالات المستفيدة من الدعم النفسي بين ٥٠ و٨٠ حالة شهريًا»، تقول محسن.
«نسبة لحجم الأعداد التي تحتاج إلى الدعم بين مجتمع النازحين، فإن إسهام مساحة آمنة يبقى محدودًا»، كما يقول نائب مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النزوح في مأرب، خالد الشجني، ٣٥ عامًا. لكن هذا لا يعني أن عمل المساحة يذهب سدى. تمكّنت المساحة الآمنة في مدينة مأرب منذ تأسيسها حتى نهاية ٢٠٢١م من تقديم ما يقارب ٢٠ ألف خدمة في الدعم النفسي، أكثر من ألف استشارة قانونية و٧٠٠ مساعدة نقدية، وما يقارب ٣٠٠ تدريب مهني ومشروع اقتصادي، إضافة لبرامج توعية استفادت منها أكثر من ٢٣ ألف امرأة. هذا ما يقر به الشجني: «المساحات التابعة للوصول الإنساني متميزة وساعدت بعض النساء المعنَّفات في توفير مصدر دخل لهنّ ولأطفالهنّ وثمة نماذج ناجحة.»
«لولا وجودهم ومساندتهم لي لبقيتُ أعاني طوال حياتي من البؤس والحرمان والعنف النفسي والأسري»، تقول أسماء أحمد*، ٣٥ عامًا أم لأربعة أطفال، مشجّعةً جميع النساء اليمنيات على تجاوز كل التحديات قائلة: «لا تستسلمي للعنف وقولي لكل التحديّات: ‹أنا أستطيع›.»
ــــــ
* كل أسماء الناجيات مستعارة.