مظاهر التعايش كثيرة في اليمن. في بعض الأحيان تتجلى بوضوح كامل يدعو إلى المزيد من التآلف والتآزر. في أحيان أخرى، تكون مناسبة للبحث والعمل على كيفية ترسيخها في المعاملات اليومية. زيارة قبر النبي هود في حضرموت ومسجد العيدروس في عدن، الاحتفال بالرجبيَّتين والشعبانيَّة، تخليد دخول الإسلام لليمن، ومولد النبي – في كل هذه المناسبات، تتعدد مشاعر ومظاهر التكافل، عبر طقوس تختلف باختلاف المناسبة. ولكن، اللُّب يبقى واحدًا: كل مناسبة أرضية مشتركة، يمكن من خلالها الانطلاق نحو سماوات التعايش. وطبعََا، ما يجمع اليمنيين أكثر بكثير مما يمكن أن يفرقهم.
إصلاح صالح، عدن
في ٣١ربيع الثاني، الموافق لـ ٨١نوفمبر هذه السنة، بدا مسجد العَيْدَرُوس مزينًا بالأضواء والألوان المختلفة. يدل وجه المسجد المختلف على احتفال يعود إلى مئات السنين. في مثل هذا اليوم كل سنة، كانت مدينة كريتر القديمة في عدن تصحو على أفواج من الوافدين إليها من مختلف المناطق، لإحياء الزيارة السنوية لمسجد العَيْدَرُوس.
ولد الشيخ أبو بكر بن عبد الله العيدروس سنة ٨٥٠ هـ\ ١٤٤٦م، في مدينة تَرِيمُ في محافظة حضرموت. كان العيدروس شيخًا مُلمًا بالعلوم والمعارف الدينية. بعد زيارته لعدد من المدن في اليمن وخارجه، دخل العيدروس عدن في ٣١ ربيع الثاني ٩٨٨ هـ الموافق لـ١٤٨٤ م، بناءًا على طلب من علمائها. بقي العيدروس في عدن حتى وفاته سنة ٩٤١هـ\ ١٥٠٨م. اشتهر العَيْدَرُوس بالعدني لتدريسه في المسجد الذي بناه في عدن سنة ٨٩٠هـ \ ١٤٨٥م وسُمّي باسمه ويضم ضريحه. يحتوي المسجد كذلك الرباط التعليمي الذي يعدّ معقلًا للصوفيين وتتخرج منه في كل عام دفعة جديدة من الطلبة.
تبدأ أجواء الزيارة الاحتفالية صباحًا، حيث تنظم مواكب راجلة يشارك فيها الجموع رجالًا ونساء انطلاقًا من منزل المنصب، وهو الشخص الذي يتولى إدارة رباط العَيْدَرُوس التعليمي، في المدينة إلى مسجد العَيْدَرُوس على بعد كيلومتر تقريبًا. يرفعون اللافتات والشعارات الممُجدة لذكرى العَيْدَرُوس، بمشاركة الفِرْقَة النحاسية بآلاتها الموسيقية المصنوعة من النحاس، وسط زغاريد النساء، مرددين التواشيح والأناشيد الدينية والشعارات، منها:
شيء لله يا عَيْدَرُوس شيء لله محي النّفوس
شيء لله شمس الشموس المدد يا عَيْدَرُوس
يا عَيْدَرُوس بن عبد الله يا حياة النفوس
نحن بغينا الزيارة ما بغينا الفلوس
ومن العادات المتوارثة في هذا اليوم توزيع الزربيان، طبق رز مع اللحم أو الدجاج مطبوخ بالبهارات واللبن، على المواطنين في منزل المنصب. في العصر يذهب المنصب وحاشيته إلى المسجد لعمل مراسيم الزيارة مثل حملة الكسوة التي من جهة يتم فيها توزيع الكساء والملابس على الفقراء والمحتاجين، و من جهة أخرى تكسى فيها القبور بأقمشة مزينة. وفي ليلة الزيارة، يتم توزيع الهريس، طبق من القمح المغلي المهروس أو المطحون المخلوط باللحم، على الزائرين. يؤدي القادمون من المناطق الريفية المختلفة رقصات كل حسب منطقته أثناء الاحتفالات التي تستمر حتى وقت متأخر من الليل. للأطفال كذلك نصيبهم من الاحتفالات، حيث يستمتعون بالمراجيح، التي تُنصب لهم، وألعابهم المفضلة الأخرى مثل لعبة الدُمى المسماة بالكَرْكوس.
زيارة مسجد العيدروس «لم تعد تمُثل الحدث الهام بالنسبة لسكان المدينة، حتى أن البعض لم يعد يعرف بالزيارة إلا بعد أن يرى الأضواء التي يتزين بها مسجد العَيْدَرُوس ومنارته وتلبيس الكسوة»، تقول أستاذة الآثار والحضارة الإسلامية في جامعة عدن، الدكتورة هيفاء مكاوي.
تعرّض المسجد للحرق خلال حرب ١٩٩٤م في اليمن، ومنذ ٢٠١١م، تراجع الاحتفال بزيارة العَيْدَرُوس بسبب انعدام الأمن وصعوبة السفر. شهدت السنوات الأخيرة عودة للزيارة بشكل متواضع. ورغم الاحتفاء الخجول هذه السنة بالمقارنة مع الماضي، فإنه يعد انتصارًا للتعايش في عدن. هذا وتبقى ذكرى العَيْدَرُوس وطقوسه حية في أذهان زائريه، رغم مرور الزمن عليها.
«كنا ندخل مع أبي مسجد العَيْدَرُوس نصلي ركعتين ثم نقف أمام ضريح الولي، يَتْلُو الفاتحة على روحه ونقلده، ويدخل يده في فتحة صغيرة داخل الضريح ويخرجها وفي قبضته حفنة تراب. بعد ذلك يشم حفنة تراب ونحن أيضا»، يحكي محمد باحشوان، ٥٠ عامًا، الذي يقطن بالقرب من منطقة العَيْدَرُوس. كانت أمه تضع جزءََ من تلك الحفنة في خرقة تربطها على معاصم أطفالها. «كانت الخرقة تظل مربوطة حتى تُبلى، أما حفنة التراب تكون قد ذابت من أول استحمام»، يضيف باحشوان، الذي لا يجد أي تفسير لهذه الطقوس. «إلى يومي هذا لم أستطع تفسير سبب ذلك»، ولكن رغم ذلك، تبقى هذه الذكريات عزيزة على قلبه.
فاطمة باوزير، المكلا
شِعْب هود قرية صغيرة تابعة لمديرية السوم في محافظة حضرموت شرق اليمن، وسميت بذلك لاعتقاد الناس بوجود قبر نبي الله هود فيها. هود اسم لنبي ذُكِر في الكتب السماوية أرسله الله إلى قوم عاد، الذين سكنوا حضرموت، حسب روايات تاريخية محلية.
الضريح الذي يقع أعلى الشِعْب، أي الجبل، هو حجرة كبيرة مشقوقة عليها قبة بيضاء مطلية بالنُّورة، أي الجبس، من الداخل والخارج ولا يوجد بها أي زينة أو نقوش.
من الخامس إلى العاشر من شعبان، الذي صادف ١٨-٢١ مارس هذه السنة، يعج شِعْب نبي الله هود بالزوّار من مناطق شتّى في حضرموت واليمن، ليصل عدد الزوار إلى الآلاف. قبل الحرب، جاء زوّار كذلك من الخارج كدول الخليج ودول جنوب شرق آسيا. يعدّ هذا أكبر تجمّع ديني سنوي في محافظة حضرموت، رغم عدم حضور النساء فيه. في بقية السنة، تزور العائلات، نساء ورجالًا، قبر النبي هود، ولكن زيارة نصف شعبان لم تعرف أبدََا وجود النساء. تُقام الأسواق التجارية على هامش الزيارة، حيث تزدهر المطاعم وسوق الهدايا التقليدية حيث يُعرض السواك والمكسرات والحلوى وغيرها.
تعكس هذه الفعالية وجهًا ناصعًا للتعايش الديني الذي اشتهرت به المحافظة، حيث يلتقي المنتمون لمدرسة حضرموت الشافعية الصوفية مع غيرهم من التوجهات الدينية المختلفة الأخرى في مكان واحد. يقول الأربعيني غالب الهدّار، أحد الزوار الدائمين للفعالية من سيئون حيث يعمل مديرًا لمدرسة، إن الزيارة لا تقتصر على أتباع المدارس أو الطرق، بل هناك من يزور بدافع الفضول والاستكشاف. «هم كذلك يظهر عليهم أثر روحانية المكان والحدث.»
إنها أيامٌ روحانية، نعيشها بكثير من التجلي والابتهال، وبحفاوة وبهجة.»
تبدأ فعاليات الزيارة بالاغتسال في نهر أسفل الجبل. طقس الغسل في النهر كان وسيلة للنظافة قديمًا. بجفاف النهر وكذلك توافر الماء في الخدور، أي البيوت، تلاشى هذا الطقس. وبدلًا من الاغتسال، يقوم الزوّار بصلاة ركعتين أمام منطقة اسمها حصاة عمر، بغرض التطهّر من الذنوب والخطايا. بعدها يتجه الموكب الحاشد إلى بئر التسلوم أي السلام، التي يتناقل العامة من الزوار أنها ملتقى أرواح الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين.
يتجه الموكب بعد ذلك إلى ضريح النبي هود عليه السلام لقراءة ما تيسّر من القرآن (سورة هود أو يس) والدعاء، ومن ثَمّ الخروج إلى حصاة الناقة، وهي صخرة عظيمة تُعقد قربها مجالس الذكر أو قراءة السيرة النبوية، وفيها يقوم الدعاة والعلماء بالوعظ الديني.
عدا كل هذه الطقوس المبهرة، يلاحظ الزائر للقرية كذلك عددًا من المنازل العظيمة. «أبهرني أحد الخدور الضخمة الذي بُنِي بأسلوب حديث أشبه بالقصر»، يقول الهدّار. «كنتُ أسأل نفسي: لماذا يصرف غنيّ كل هذه المبالغ في بناء لا يسكنه إلا أسبوعًا في العام؟»
وفي بقية السنة، تبقى القرية خالية من السكان، وتبقى المساجد والضريح في انتظار شهر شعبان المقبل.
محمد علي محروس، تعز
وصل الإسلام في بداياته إلى اليمن سنة ٦٣٢م . منذ ذلك الحين، ظلت الديانة الإسلامية بمختلف طرقها وطوائفها مهيمنة على هذه المنطقة. على الرغْم من مرور أكثر من ألف سنة، مازال سكان اليمن يحيون ذكرى دخول الإسلام لليمن. كان معاذ بن جبل، ضمن من جاؤوا لليمن حاملين رسالة الإسلام معهم. اتخذ من منطقة الجَنَد، التي تقع على بعد عشرين كيلومترًا شرق مدينة تعز، مقرًا له، وفيها بنى أقدم مسجد في البلاد، في العام السادس الهجري.
يتداعى الآلاف سنويًا من عدة محافظات لإحياء أول جمعة من شهر رجب في مسجد معاذ بن جبل، المعروف بجامع الجند، في مشهدٍ يجسّد واحدية المشاعر المتعلّقة بهذا التاريخ ذي الرمزية المقدّسة عند كثيرين، كما أنه تعبير عن الامتنان لابن جبل، الذي يعيدون إليه الفضل في وصول الإسلام إلى اليمن.
قبل أسبوع من الجمعة التي يُطلق عليها الرجبية وتكون أول جمعة من شهر رجب، يتجمّع الناس، رجالًا ونساءً من غالبية مناطق تعز، ومن الحُدَيدة غربًا، وحضرموت شرقًا، وإب وذَمَار وصنعاء إحياءً للمناسبة الدينية. طوال هذا الأسبوع، يمارس الزوار عددًا من الطقوس العبادية الجماعية، كالذكر، والابتهال، والدعاء الجماعي، تحت قيادة رجل دينٍ يحظى بإجماع الحاضرين.
تختلف الطقوس باختلاف الليل والنهار، وتبلغ ذروتها ليلًا مع سماع أصوات المبتهلين وهي تتجاوز محيط المسجد؛ تجسيدًا لقيمة التشاركية بين آلافٍ من محافظاتٍ عدة. هكذا يرتفع فيها البعد الروحي كلّما اقترب يوم الجمعة الموعود.
عشيةَ الجمعة، يقضون الليلة كلها في العبادة، ويتوّجون أسبوعهم بأداء صلاة الظهر، وبعدها يعودون من حيث أتوا. هكذا يفعلون كل عام.
أحيا عبد الحميد جعفر، معلّم من أبناء منطقة الجند ذو الـ ٤٥سنة، هذه المناسبة أكثر من مرة، ويخالطه شعورٌ بالهيبة كلما عاش الطقوس السنوية ذاتها، ولا يفوّت يوم الجمعة. «إنها أيامٌ روحانية، نعيشها بكثير من التجلي والابتهال، وبحفاوة وبهجة.»
فايز الضبيبي، ريمة
الشّعْبَانِية كما تعرف في ريمة، هي ليلة نصف شعبان، «فيها يفرق كل أمر حكيم، وفيها تكتب الآجال والأرزاق»، يقول المفكر والكاتب اليمني والنقيب السابق للصحافيين اليمنيين عبد الباري طاهر، ٨١ سنة. لهذه الليلة، التي تبدأ مع مغرب يوم ١٤ شعبان وتنتهي مع فجر يوم ١٥ شعبان، خصوصية تتجاوز طقوس العبادة، إذ لها بُعد اجتماعي يتجلى في العفو، تصالح الخصوم، تبادل العطايا، وإكرام المحتاجين.
في هذه الليلة، «تحتشد طاقات روحية تحيي مدائح وموشحات دينية، تعكس الجو الشعائري الممتزج بصوفية الأرواح، بل تعدى أثرها بأن وصل باحتشاد الأطفال وترديدهم لما يسمعونه من مدائح الكبار»، وفقاً للشاعر والقاص الريمي ياسين البكالي، ٤٤ سنة.
قبل أكثر من مئتي سنة، في قرية الحنسة، محافظة ريمة، أوقف كبير الأسرة آنذاك، أحمد يحيى الحنسة، ثلث أمواله الزراعية الواسعة لصالح إحياء الشّعْبَانِية. كل سنة ومن بداية شهر شعبان، يستعد حميد أحمد الحنسة، أحد حفدة أحمد يحيى الحنسة، لهذه الليلة. مع باقي أفراد أسرته، يجهز ديوان القرية، من تنظيف وتوفير للفرش، المياه والإنارة الكافية. تتم دعوة فقيه منشد، يحيي الليلة بالمديح والذكر وقراءة كتاب المولد، الذي يضم مجموعة من الأناشيد الخاصة بمولد النبي محمد وسيرته، بالإضافة لصلوات معينة تخص هذه الليلة.
يتشارك في التجهيز لهذه الليلة الرجال والنساء والأطفال. يحرص الجميع على تقديم الخدمات للضيوف، إكرام المحتاجين، وإشاعة روح المحبة والمودة.
يتوافد الناس من مختلف القرى المجاورة للمشاركة في هذا الاحتفال. بعد صلاة العشاء، يخرج الناس من الجامع مع الفقيه بشكل جماعي متوجهين إلى ديوان القرية، مرددين بعض الأهازيج والمدائح النبوية.
«هذا الجو يعكس لحظات وجدانية تصفو فيها روح الإنسان اليمني الذي نشأ على الطيبة والود والألفة والمحبة»، يصف البكالي.
بعد الاحتفالات، الأناشيد والتجمعات المختلفة، يختم الفقيه ليلته قائلا: «انتهت سمرتي والأحبة سمور» – إشعار لكل الحاضرين للاستعداد للرحيل، حتى العام المقبل.
سمر عبد الله، صنعاء
في ١٢ من ربيع الأول من كل سنة، الذي وافق في٢٠٢١م الـ ٨١من نوفمبر، يحتفل اليمن بمولد النبي محمد. تختلف الاحتفالات من منطقة لأخرى ومن جيل لآخر. في المدن خصوصا، بدأت طقوس هذا الاحتفاء، التي تعود لعهد الفاطمية حسب أتباع الصوفية، بالتلاشي. ولكن، رغم مرور الزمن، مازال رنينها يسمع في كافة أنحاء اليمن.
صنعاء الخضراء
في يوم المولد وكل سنة، تزين صنعاء، مثل عدد من المدن اليمنية الأخرى، باللون الأخضر. تُعلّق الأقمشة الخضراء على واجهات المباني والمحلات التجارية وتُنصب الإضاءات الخضراء في الأرصفة والشوارع. حتى السيارات تُطلى باللون الأخضر. تتنوع مظاهر الاحتفال منذ بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته بين الندوات، حلقات الذكر، الأمسيات الثقافية والشعرية التي تتناول سيرة النبي، يتخللها توزيع التمر، الكعك والعصائر.
أصبح إحياء المولد النبوي في المنازل عادة منتشرة حاليًا على خلاف السابق. «كانت جدتي تعتبر من القلة النادرة التي تقيم المولد في منزلنا وتدعو الجيران، ويوزع التمر»، تقول زينب محمد، ٢٣ عاما،
من مظاهر الاحتفال بالمولد نفسه حلقات ذكر لسيرة النبي محمد بعد صلاة العشاء في الجامع الكبير وبعض الجوامع الأخرى. يتم رش الحاضرين بماء الورد وتبخير الجامع بالعود. تقيم جمعية المنشدين في صنعاء أمسية يتشارك فيها منشدون من مختلف المحافظات. «في هذا اليوم تمتزج ألوان فنية إنشادية مختلفة وموحدة في حب النبي»، حسب علي الأكوع، ٥٤ سنة، رئيس جمعية المنشدين اليمنيين.
الحديدة بالورود
تستقبل مدينة الحُدَيْدَة يوم المولد بأجواء احتفالية، مثل شراء الملابس الجديدة، البخور وعقود الفل والورود. «يبدأ الاحتفال بحلقات الذكر في المساجد للتذكير بمبادئ الإخاء بعد العداوة، المساواة بين الناس، وأنه لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى»، يقول الشاعر الحديدي أحمد حسن عياش يعقوب، ٥٦ عاما.
يخرج الأطفال بملابسهم الجديدة للعب ويقوم الميسورون بتوزيع اللحم والملابس على المستحقين من الفقراء، المساكين، الأيتام، الأرامل والمحتاجين.
ليلا، يجتمع شتات العائلة على وجبة العشاء، التي عادة ما تتكون من الزربيان وفتة أقراص الدخن الحامض مع مرق اللحم والسمن، كما يستذكر الصحفي أنور الطيب، ٣١ عاما. «لهذا اليوم خصوصيته التي يعقبها عمل الحنّاء على الأيدي والأقدام.»
حضرموت بالأناشيد
تستقبل مدينة تريم في حضرموت المولد النبوي بالزينة، لافتات قماشية تكتب عليها عبارات المديح والشوق للنبي محمد. تبدأ أجواء الاحتفال من بداية شهر ربيع الأول حتى نهايته، حيث يتم حضور الدروس الدينية.
في يوم المولد، توزع المياه والقهوة والحلوى في المساجد وكذلك الشوارع، في أجواء تسودها السعادة. يطوف الحضرميون، الذي يتوحدون في اللون الأبيض والقلنسوة (الطاقية)، على طريقة التصوف بالدف، مرددين الأناشيد»، كما يصف عبد الله بامنيف، معدّ ومقدم برامج لدى قناة الإرث النبوي في تريم.
أما نساء المكلا، كما تحكي المُصوِّرة نورا بوعويضان، ٢٤ سنة، فيَتَوَحَّدْنَ في ارتداء النقبة (اللثام) الخضراء، ويجتمعن في مراكز التحفيظ أو المنازل للصلاة وترتيل آيات الذكر.
زين العابدين علي، تريم
في السابع والعشرين من رجب، تتهيأ مدينة تَرِيْم للاحتفاء بليلة الإسراء والمعراج المعروفة بالرجبية. في كل سنة، يتم إحياء هذه الذكرى لاستشعار عظمة صاحبها، ذكر أحاديثه، واستعراض قصصه ومعجزاته.
تريم هي أحد أكبر معاقل الصوفية في اليمن، وتم اختيارها من طرف الإيسيسكو، منظمة العالم الاسلامي للتربية والعلوم والثقافة، كعاصمة للثقافة الإسلامية عام ٢٠١٠م
الاحتفال المركزي بالرجبية في تريم يكون في ساحة قصر الرناد، حيث يجتمع علماء تريم بشخصيات اجتماعية وعدد كبير من طلاب العلم الوافدين من اليمن وخارجه، مثل جنوب شرق آسيا، إفريقيا وأوروبا. اَحْمَد باحَمَالَة، ٢٣ سنة، باحث مع مركز الرناد للتراث والآثار والعمارة، يقول إن تريم تشهد احتفالات أخرى، يسري الناس إليها في تجمعات صغيرة. يرفع الوافدون شعارات حب النبي وبعض وصاياه، على وقع الدفوف والألحان والترانيم، «يرسلون من خلالها رسائل الحب والسلام والتعايش الديني والاجتماعي ونبذ العنف والكراهية».
في الساحات العامة التي تجمع مئات الحاضرين، يقدم علماء الدين المواعظ، وتقدم الفرق الإنشادية عددََا من المقطوعات والمدائح النبوية، منها منظومة الإسراء والمعراج للحبيب أبي بكر العَدَنِي:
في ليلة تفرّدت عن غيرها… قد ورد النص بها واخبرا
نذكرها في رجب لأنه… شهر به الإسراء مزموم العرى
تؤدى هذه الأبيات بأصوات عذبة تمتزج مع أصوات الدفوف وأنين الناي، التي تأخذ الحضور إلى عالم الروح والتصوف.
في المساء تتواصل الفعاليات وتقام الموالد. «بعد صلاة العشاء يقرأ إمام مسجد باعَلَوِي [من أشهر مساجد تريم، بني في القرن السادس الهجري\الحادي عشر ميلادي] قصة الإسراء والمعراج والناس منصتون خاشعون، ويدار أثناء القراءة البخور والماء والقهوة ثم تبدأ التهاليل والوهبة ويختم الذكر بالفواتح والابتهال بالدعاء»، كما يحكي حَامِد بن شَمْسَ الدِيْن في كتابه الدليل القويم في ذكر شيء من عادات تريم.