عبد الله سعيد العطّار ، من مواليد ١٩٧٧م في محافظة إب، يعمل كنائب مدير إدارة الإعلام التربوي والعلاقات العامّة بمكتب التربية في محافظة مأرب، وعضوٌ باتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيّين ورابطة شعراء العالم. له ديوان شعري تحت عنوان على ضفاف الحلم وحاز على جائزة رئيس الجمهورية في الشّعر عن محافظتي مأرب وصنعاء سنة ٢٠٠٥م. في هذا اللقاء نتحدث معه حول اللّهجات في اليمن وما يمكن أن تمثّله كأداة مساعدة للتّعايش بين اليمنيّين واليمنيّات مستقبلًا:
العربيّة السّعيدة: لماذا أنت مهتمٌ باللّهجة المأربيّة؟
عبد الله سعيد العطّار: الرغبة الملحة والشغف الذي رافقني منذ الصّغر للاهتمام باللّهجات، بالإضافة إلى طبيعة عملي كتربوي واهتمامي باللغة. قضيتُ مدة طويلة في المجتمع المأربي تربو عن ٢٥ عامًا. لهجة مأرب لم تحظ بالتّدوين والدّراسة والجمع كباقي اللّهجات اليمنيّة. لهذا رغبتُ في تقديم معجمٍ يكون بمثابة مرجعٍ للمهتمين والباحثين.
العربيّة السّعيدة: إلى ماذا تهدف بتوثيق هذه اللّهجة؟
عبد الله سعيد العطّار: أهداف كثيرة من بينها الحفاظ على مفردات أصيلة وجمعها وحمايتها من الاندثار. وجدتُ الكثير من شباب مأرب لم يعد يعرف كثيرًا من معاني مفردات اللهجة المأربيّة. أيضا للتوثيق ولفت اهتمام المختصين والباحثين إلى دراسة ما جُمع وما لم يُجمع. هذا العمل هو كذلك ردّ جميل لهذه المحافظة التي احتوتني ونقلتْ صورةً مشرقةً وحضارية عن ثقافتها وتراثها بعيدًا عن الصورة النمطية والمشوّشة عنها.
العربيّة السّعيدة: ما هي الطرق والأساليب المتّبعة في البحث عن المفردات؟
عبد الله سعيد العطّار: اتّبعتُ طرقًا مختلفةً للجمع مثل السّماع وقراءة الشعر المأربي لجمع وتدوين المفردات ومعانيها. كذلك نزلتُ الميدان وأجريتُ لقاءات مع شخصياتٍ كبيرة تمتلك ذخيرةً من لهجة مأرب القديمة. بدأتُ بتبويب تلك المفردات على حروف الهجاء ليسهل تأصيلها والوصول إليها، كما كنت أطلب بعض الأبيات الشعرية القديمة كشواهد وكذلك الأمثال ومضاربها ومعانيها.
«عدم التوثيق يؤدي إلى قطع صلة الماضي بالحاضر.»
العربيّة السّعيدة: ما الذي يحويه كتاب اللّهجة المأربيّة؟
عبد الله سعيد العطّار: هو معجم ألفبائي لكلمات اللّهجة المأربيّة يوفّر معلومات عن المفردة من حيث اللفظ، أي النطق، وتعديها واشتقاقها ويربط كل كلمة بمعناها في اللّهجة والفصيح، مع توضيح علاقتها بمدلولها، وتفسير معناها، وتدعيمها بشواهد من الشعر والأمثال والأساطير. بُوّب الكتاب إلى
عدة أبوابٍ منها أسماء الحيوانات وصفاتها، المزروعات والأشجار، النباتات الصحراوية، الإبل وصفاتها، أدوات الزراعة، أدوات الزينة، الأطعمة والمشروبات… إلخ. يبلغ حجمه قرابة ٨٠٠ صفحة، لكنه مازال مسودةً في طريقها للطبع. هذا فضلًا عن تقديم أجزاء منه في برنامَج إذاعي بإذاعة مأرب لمدة خمس سنوات في ١٩٢ حلقة.
العربيّة السّعيدة: لماذا لم يُنشر المعجم حتى الآن؟
عبد الله سعيد العطّار: كلفة الطباعة تفوق إمكانياتي المادية، إضافة إلى جهل الجهات الرسمية في المحافظة بأهمية عملٍ كهذا وتبنيه والترويج له. كذلك يغيب اهتمام المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية والخاصة، إضافة للوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به البلد عمومًا.
العربيّة السّعيدة: ما أهمية توثيق اللهجات والحفاظ على تنوّعها بالنسبة لمستقبل التعايش في اليمن؟
عبد الله سعيد العطّار: اللّهجات هُوِيَّة وطنية ولغة خطابٍ وسلوكٌ يومي. الحفاظ عليها هو حفاظٌ على الهُوِيَّة والعادات والتقاليد والفنون من الموت البطيء، كونها تنتقل من جيل إلى آخر وتَجري على ألسنة الناس. عدم التوثيق يؤدي إلى قطع صلة الماضي بالحاضر.
الحفاظ على تنوع اللّهجات يعني حفظ هُوِيَّة اليمن وتاريخه وحاضره ومستقبله. لهجات اليمن ذات أصلٍ واحدٍ حميري حيث توحّدت لغة اليمن في عهد الدولة الحميرية من أقصاها إلى أقصاها. للّهجات قواسمٌ مشتركةٌ في النطق والدّلالة والتعبير عن موروث اليمن الحضاري والثقافي، وهي في حدّ ذاتها مسار للتّعايش من خلال أصالة لهجاتهم المنطوقة، وقابليتها في ذات الوقت للتطور والتوسع والتعايش مع مرور الزمن.
العربيّة السّعيدة: ما هي رسالتك للمختصين والجهات المعنية بالثقافة والحفاظ على الموروث الشعبي؟
عبد الله سعيد العطّار: اهتمامكم بالموروث الثقافي وطباعة وتوثيق كل ما يتعلّق بتراثنا سيكون بلسمًا يداوي عقول الناس من كل ما هو دخيل ومرجعية لربط الماضي بالحاضر.