preloader

في تريم، الدّين سبيل التّعايش

زين العابدين بن علي
تريم
تمثّل مدينة تريم إحدى النقاط المضيئة على طريق التّعايش الديني في اليمن، الذي ساعد على ترسيخ السِّلم الأهلي فيها. أسباب سلام تريم متنوعة، أبرزها احتضانها للتنوّع الديني، كونها مركزًا للعلم والاجتهاد، وتاريخها كقبلة للزائرين من مختلف أقطاب العالم.
رجال يلعبون الدومينو في تريم، التي تتسّم بالتّعايش الديني والأهلي، حسب زين العابدين بن علي. © إبراهيم بامؤمن | مجلة العربيّة السّعيدة

 مدى تاريخها، عُرفت اليمن بالتنوّع الديني والمذهبي، حيث «لا خلاف مع تعدّد المذاهب كتنوّع»، حسب المفكّر محمد سيْف العُدَيْني، ٦٥ سنة، مؤلّف كتاب الحريّة في الإسلام وحقوق المرأة من منظور إسلامي. 

«عاش العالم الإسلامي مع تعدّد المذاهب والمدارس التربوية التي حملت إلينا بآلياتها الإسلام»، يفسّر العديني. 

ورغم التفرقة التي تعرفها اليمن اليوم في مختلف أرجائها، إلّا أن هناك مناطق قليلة تمثّل نقاطًا مضيئةً على طريق التّعايش الديني والسِّلم الأهلي، أبرزها مدينة تريم، في محافظة حضرموت، شرقي البلاد.

الزائر لمدينة تريم يلاحظ الطبيعة المسالمة لسكّانها وغياب العصبية والتحريض في دور العبادة فيها، يقول عبده الحيقي، ٣٠ عامًا، الذي يعمل محاسبًا في تريم منذ أن انتقل إليها من تعز سنة ٢٠٢٠م. 

«لم أشهد أي مشهد تحريضي أو تعصّب ديني. يوجد تنافس محموم واستقطابات بلا شك، لكن كل تيّار يعمل لفكرته بطرق ذكية وآمنة لا تدفع مبدئيًا للتصادم أو العنف»، يصف الحيقي. 

تشتهر تريم بكثرة مساجدها حيث تحتوي على أكثر من ٣٦٠ مسجدًا. ومع هذا التّنوّع والثروة، تحافظ تريم على السّلم. «هناك نوع من التقبُّل بوجود الآخر، لإدراكهم أن محاولة الإقصاء أو التشنيع على طرف لن يلغيه أو يصادر وجوده»، يفسّر الحيقي. 

لم يكن السِّلم والتّعايش وليد اللحظة في تريم، فهناك وقائع تاريخية تمثّل جذور ذلك التّعايش، يوضّح الباحث في التاريخ الإسلامي والمحاضر في دار المصطفى بتريم للدّراسات الإسلامية منير بازهير، ٤١ عامًا. «لأجل استقرار منهج العلم والسِّلم في معالجة الاضطرابات في حضرموت، نادى الفقيه محمد باعلوي بكسر السيف وابتدأ بكسر سيفه»، يقول بازهير. تمكن باعلوي (٥٧٤-٦٥٣هـ \١١٧٨-١٢٥٥م)، من نشر رسالة التّصوّف في حضرموت وإعطاء مثال لتجنّب العنف ما زالت حضرموت تقتدي به إلى اليوم.

تاريخ نبذ العنف ينضمّ إلى البعد عن المناهج العقدية المتشنّجة، «وكذلك ربط العبادة بالسلوك، من خلال تفعيل مقام التصوّف الذي يقضي بتحكيم العقل والحكمة في تصحيح الأمور والمتغيّرات» كأسباب التّعايش الديني في تريم، حسب بازهير. 

ترابط التّعايش الأهلي بالتعايش الديني

في دراسة تحت عنوان آلية تحقيق السِّلم المجتمعي اللّازم للتنمية المستدامة، يفسّر الدكتور أحمد بافضل، رئيس مركز البحوث ودراسات التنمية في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في سيئون، أنه من وسائل تحقيق السِّلم المجتمعي «التعاون والتكافل بين الجماعات والفئات والطوائف، والتسامح برؤية متفهِّمة أو متحرّرة فكريًا حيال العقائد والممارسات المغايرة». النتيجة حسب بافضل هي «التقارب وإبعاد الحواجز ليبتعد التوجّس والتخوّف ويحصل الاطمئنان ثم السّلم». 

هذا ما يشهد له الحيقي كذلك، الذي يقول إن التّعايش الديني انعكس على التعايش الأهلي، الذي «برز من خلال إنشاء الجمعيات الخيرية، اختفاء الجريمة، توجه الشباب نحو العمل والمشاريع الخاصة، حتى أصبح يطلق على حضرموت ‹يابان اليمن›». 

لهذا التّعايش الأهلي كذلك تأثير إيجابي على الوافدين والنازحين. تُعرَف حضرموت بانفتاحها على العالم، حيث لُقِّب الحضارم بـ ‹سفراء اليمن›. هذا الانفتاح ينطبق كذلك على الوافدين لحضرموت، التي تستقبل كل سنة طلابًا من جنسيات مختلفة شرق آسيوية، أوروبية وعربية. ساعد هذا الوافدين والنازحين على الانخراط في المجتمع التريمي والتّعايش معه. 

نزحت هناء نجيب،ربة بيتٍ، ٢٥ عامًا، من ذمار إلى تريم سنة ٢٠١٧م. تقول نجيب إن «الحياة في تريم بشكل عام جيدة وهادئة ولا يوجد فيها ما يعكّر صفوها».

منذ نزوحها مع العائلة لم تجد نجيب أيّ مضايقات أو عنصرية. «التعايش موجود بدرجة كبيرة، في مجتمع وبيئة يسودها التفاهم والهدوء، بعيدًا عن الصراعات وأجواء التوتّر.»

من واقع تريم نرى أن التّعايش الديني والأهلي متشابكان. كما يقول العديني، «الحياة لا تتطوّر إلا بوجود اختلاف التّنوّع الذي به تقوم سنة التدافع الفكري». بهذا يبدو واضحًا أنه لكي تسير باقي اليمن على خطى تريم، من الواجب التوعية بأن التنوّع والاختلاف هو الأصل في الحياة. يرى الحيقي أن ذلك يحتاج إلى وقت، ولكن، من أجل العبور باليمن إلى مستقبل يعمّه الأمن والسّلام والتّعايش، علينا أن نبدأ من اليوم بتعزيز قيم العيش المشترك، إعلاء لغة الحوار، وتربية النشء على التّسامح.




المـــقال الـــتالي
جميع الحقوق محفوظة لـ arabiafelix.social