الجدّات والأجداد هو الملتقى الرئيسيّ لكافة أفراد الأسرة كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً في اليمن. يُعتبر وجود الجدّ والجدّة في المجتمع اليمني عامل استقرار للأسرة، ويُعدّ رمزًا لترابط أفرادها وامتدادًا للعائلة وصونًا لوحدتها. وكما تجتمع الأسرة حول الجدّ، تجتمع القبيلة حول شيخ قبيلة الحَمّيدة في مديرية كرش بمحافظة لحج، الشيخ شهاب الشَّمَت الحُميدي. يتوافد الكبار والصغار لمجلس الحميدي، ٥٣ سنة، ليجدوا بين جدرانه الحكمة والتواصل، فهو ملتقى يومي يجمعهم مع جيرانهم وأهلهم وعشيرتهم.
هكذا ستصل المرأة إلى هذه المناصب
تم تنصيب الحميدي كشيخ لقبيلته بإجماع توافقي من قبل أهالي وسكان القبيلة منذ عشر سنوات. شيخ القبيلة كالقائد يقود أبناء قبيلته. ما زالت بعض الأدوار القديمة التي كان يؤديها شيخ القبيلة مستمرة إلى يومنا هذا، منها الفصل بين الخلافات التي تحدث بين أفراد القبيلة، بطرق ودية وبما يرضي الطرفين دون تجاوز القوانين المشرعة في البلاد.
«نعمل على السعي في تأليف القلوب، وإصلاح ذات البين، وتقريب النفوس، ولمّ الشمل، وجمع الكلمة، وإيجاد الحلول، وإزالة العوائق والمعوقات»، يقول الحميدي.
رجل يمني مسنّ من زبيد، إحدى أقدم المدن اليمنيّة. © رود وادينغتون
عملية الوساطة والتحكيم القبليين — تجنب الثأر وإدارته، على وجه الخصوص — تنطوي على معرفة عميقة بالقواعد والإجراءات المعقدة والتزام دؤوب ومستمر من جانب كثير من الأشخاص في وظائف مختلفة، مثل الوسطاء والمحكمين والضامنين والجماعات المتضامنة وجماعات الثأر، كما تفسّر ماريكي براندت، باحثة في معهد الأنثروبولوجيا الاجتماعية، التابع للأكاديمية النمساوية للعلوم في فيينا. في بحث تحت عنوان بعض الملاحظات حول الثأر في اليمن الحديث، تفسّر براندت أنه في عملية حلّ النزاعات القبلية، يتولى الشيوخ أدوارََا محورية كممثلين، ضامنين، وسطاء، محكمين، وقضاة استئناف. عمليات التمدّن، الهجرة والتغيير الاجتماعي، كلها أدّت إلى إضعاف النظام العرفي وبالتالي كذلك إلى انحسار دور الشيخ في المجتمع القبلي اليمني، حسب براندت.
رغم ذلك، مازال لشيخ القبيلة دور مهم في تأمين المشاريع والخدمات لمنطقته وتنفيذها، مثل متابعة بناء المدارس والوحدات الصحية وآبار المياه والكهرباء، وما قد يحدث من كوارث طبيعية من أمطار أو عواصف قد تضرب مزارع السكان أو مساكنهم.
نعمل على السعي في تأليف القلوب
منصب آخر كان مقصورًا على نحوٍ تقليدي على الرجال فقط هو العاقل، الذي يكون كحلقة وصل بين السلطات والمواطنين، ويساهم كذلك في حلّ مشاكل السكان. «في المجتمع القبلي، يتم انتخاب العاقل من بين أفراد أسرة موسعة ويمثل تلك المجموعة، التي عادة ما تكون مماثلة لحي سكني»، كما يوضح مشروع أكابس الذي يركّز على نشر تحاليل إنسانية مستقلة من جنيف، في تقرير نشر في أغسطس ٢٠٢٠م.
في سنة ٢٠٠٣م، وفي حارة الوحش في محافظة عدن، كسرت فكرية خالد عبده، القالب، لتصبح أول امرأة تشغل منصب عاقلة. ما زالت عبده، ٥٠ سنة، المرأة الوحيدة التي تشغل هذا المنصب.
«هناك الكثير من النساء تحب أن تعمل على فض النزاعات وتبذل جهدًا في كثير من المواضيع الخدماتية والمتابعات»، تقول عبده. ولكن هذا غير كافٍ، لهذا قامت هي بتدريبهن وتحفيزهن لأنهن «في أمسّ الحاجة للمساندة والتشجيع».
رغم ذلك، لم يتم اختيار أي امرأة أخرى كعاقلة في حارات عدن.
تقول عبده أنها تنتظر انتهاء الحرب لأن «وضع الحرب الحالي لا يسمح للمرأة أن تخوض مثل هذه المجالات». بعدها، تتمنى أن ترى توجيهًا للمرأة ودعمها ومساندتها أكثر. «هكذا ستصل المرأة إلى هذه المناصب.»