preloader

في الدراما اليمنيّة، تضمين التّنوّع ضمان للتّعايش

محمد علي محروس
تعز
يعدّ تنوع اللهجات اليمنية دلالة على التنوع الثقافي في البلاد. لهذا من الواجب الحفاظ على هذه اللّهجات من جهة، والعمل على أرضية مشتركة تجمع بين النّاطقين بها. ساهمت أعمال درامية على قلّتها في تواصل اللّهجات اليمنية، التي لم يعد عصيًا فهمها كما في الماضي. هذا التّنوّع في لهجات الدراما اليمنيّة طريقة فعّالة لإبراز التعدّد، ولجعل التّنوّع طبيعيًا في الحياة اليومية لليمنيّين واليمنيّات. ولكن، ما زال هذا الطريق طويلاً والعمل كثيرًا لكي تصبح هذه الأعمال ممثّلة فعلًا لكلّ اليمن.
يتميّز مسلسل بطل بداخلنا بتوظيف لهجات يمنيّة مختلفة، من أجل إرساء فكرة التّعايش. © العربيّة السّعيدة

من أجل أن تنجح الأعمال الدرامية في التأثير على المشاهدين نحو التّعايش، عليها أن تتصف بوعي إنتاجي يلامس واقع اليمنيّين، كما يوضّح المخرج والمؤلف مروان مفرق، ٣٣ عامًا. تنوّع اللّهجات في المسلسلات اليمنيّة «مهمّ وإيجابي لأنه يسلّط الضوء على ثقافة المنطقة المستوحى منها طبيعة المسلسل وحبكته».

 

بطل بداخلنا

ركّزت بعض المنتجات الدرامية على هذا العمل التعايشي، وكان أحدثها مسلسل بطل بداخلنا، التي عُرِضت أولى حلقاته العشرة في ٢٦ مايو ٢٠٢٢م. يركّز المسلسل على ست شخصيّات مختلفة تجابه مشاكل يومية وتبحث عن حلول مختلفة، في محاولة لإنهاء نزاعاتها وتعزيز تعايشها في المجتمع. صُوّر بطل بداخلنا على مدى ثمانية أشهر في صنعاء وعدن.

ينطق المسلسل بلهجات يمنيّة عديدة هدفها إرساء التنوّع اليمني، كما تصاحبه حلقات قصيرة تحت عنوان ما وراء القصة، تفسّر مظاهر التّعايش، وتمكّن المشاهدين من تعلّم عدد من الوسائل لتحويل النزاعات كالتواصل غير العنيف وكيفية بناء أرضية مشتركة للتخفيف من حدة النّزاع.

الانطباع السائد لدى سارة المغربي، ٢٦ عامًا، ممثلة في مسلسل بطل بداخلنا، أن مشاركتها كانت رائعة؛ كونه مسلسلًا اجتماعيًا لاقى استحسان متابعيه. «ردود الأفعال كانت إيجابية جدًا»، تقول المغربي التي أشادت باحترام طاقم العمل لعقلية المشاهد. «لم تُشوَّه اللّهجات في المسلسل، رغم اختلاف المناطق بين صنعاء وعدن»، تضيف المغربي مفسّرة أن «الأسرة العدنية كانت تتحدّث لهجتها، والصنعانية تتحدّث لهجتها، وقد تمتزج الأسرة الواحدة بلهجتين مختلفتين».

 تتجلّى قيمة هذا النوع من الأعمال كما ترى المغربي في أنه «يعزّز الروابط المجتمعية. بالرغم من اختلاف المناطق وتعدّد وتنوّع اللّهجات إلا أن ثقافة المجتمع واحدة وتتشارك نفس القضايا».

لقطات من تصوير مسلسل بطل بداخلنا. © العربيّة السّعيدة

لقطات من تصوير مسلسل بطل بداخلنا.
© العربيّة السّعيدة

 

خلف الشّمس

مسلسل آخر أحدث تفاعلًا شعبيًا واسعًا هو خلف الشّمس الذي عُرض في شهر رمضان ٢٠٢١م، وصُوّرت أحداثه في جزيرة العمّال في عدن ومواقع أخرى بمحافظة المهرة، شرقي اليمن.

 تدور الأحداث حول المشاكل والمخاطر التي تواجهها مجموعة من الشخصيّات تقطعت بها السبل خلال رحلتها في البحر. يركّز المسلسل على تحكيم العقل وتغليب الحكمة، بقالبٍ تراجيدي كوميدي بسيط.

 «تعمّدنا أن يتواجد ممثلون من محافظات متنوّعة، أردنا أن نوصل رسالة للمجتمع اليمني أنه مهما كانت الظروف فإننا نستطيع أن نتعايش ونتّفق ونتجاوز الصعاب. كان هذا التحدّي الأبرز، ولكننا في النهاية نجحنا»، يقول مخرج المسلسل وليد العلفي، ٣٩ عامًا. 

 دفع تعدّد اللّهجات في المسلسل منسّقة المشاريع والناشطة الإعلامية هيفاء محمد، ٢٨ عامًا، للبحث عن ثقافة المناطق التي تسمع لهجاتها، والوصول إلى الجوانب المشتركة بينها. «كنتُ أحرص على فهم الكلمات، إما من سياق الكلام، أو بسؤال والدي وصديقاتي»، تقول محمد، مضيفة أن ذلك «حفّزني لمعرفة ثقافات مناطق عدّة». 

 

التّنوع يحتاج التضمين 

وعلى الرغم من أن خلف الشّمس تلقى قبولًا جيدًا في اليمن، إلا أنه، حسب منصة صوت المهمّشين، منبر محلي يركّز على قضايا التمييز في اليمن، ارتكب خطأين. أولاً، قام المسلسل بـ «تجسيد الأسود في هيئة المجرم». في مجتمع يميّز تمييزًا شديدًا ضد السود، فكأنما تصبح «الإشكالية الحقيقية بسبب اللون الأسود نفسه».

يوضح العلفي أن خلف الشّمس يستند إلى أحداث حقيقية، أعيدت قولبتها في إطار درامي وفكاهي. «الخير والشّر موجودان في كل مكان. وكانت هناك عدّة شخصيات شريرة من ذوي أصحاب البشرة البيضاء في المسلسل، وشخصية روبل الأسود كان شخصية خيّرة ومناقضة لشخصية أخيه كاجوا الشرير»، يفسّر العلفي. 

الخطأ الثاني الذي ارتكبه المسلسل حسب نفس المنصة هو استخدامه للوجه الأسود أو البلاكفيس. يشير الوجه الأسود إلى الممارسة شديدة الأذى والمتمثّلة في استخدام المكياج لتقليد مظهر شخص أسود. هذه الممارسة متجذرة في العنصرية، وتستخدم للسخرية من ذوي البشرة السوداء.

 يعترف العلفي أنه لم يسمع عن الوجه الأسود قبل نشر المسلسل. «لم يستخدم المكياج للإيذاء، حقيقة لم تكن لدي أي فكرة عن حاجة اسمها البلاكفيس»، كما يقول العلفي.

 «مستقبلًا، إذا كان لدي عمل يتطلّب مشاركة شخصيات ذات بشرة سوداء سأشرك ممثلين حقيقين»، يقول العلفي مضيفًا: «أنا أنبذ العنصرية بكل أشكالها، ولن أكرّر تجربة خلف الشّمس

 يرى العلفي أن مفتاح التّعايش في الدراما اليمنيّة يكمن في تقديم ممثلين جُدُد من مختلف الخلفيات في الإنتاج اليمني. لقد بدأ بالفعل بالقيام بذلك في أعماله الماضية، وسيواصل على نفس المنوال مستقبلًا. «أسعى جاهدًا لتطوير الدراما اليمنيّة عبر إشراك ممثلين لأول مرة وتدريبهم لأخذ أدوار كبيرة، سواء كانوا ذوي بشرة سوداء أو بيضاء»، يقول العلفي. 

 لقد عانت الدراما اليمنية منذ سنوات عديدة من مشاكل التمييز. واجه مسلسل كابوتشينو، الذي عُرض سنة ٢٠٢١م من اتهامات مماثلة بالعنصرية، بينما اتُّهم همي همك الذي استمر لسبعة أجزاء بالعنصرية والتمييز ضد عدد من المناطق اليمنيّة.

 من الواضح أن الطريق نحو دراما يمنية شاملة للجميع ما زال طويلًا ويلزمه عملٌ كثير. بيد أن إدراج الخلفيات الثقافية واللهجات المختلفة في هذه الإنتاجات يشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح.

«أن تعيش تفاصيل يومية بقالب تمثيلي، بلهجة وبيئة مختلفة، هذا يجعلك تتمنى أن تعيش هذه الأجواء كنوع من التجربة»، يقول محمد خالد، ٤٠ عامًا، مدير للحسابات في منظمة محلية. «هكذا تكون في مكان هؤلاء الناس، تتقاسم معهم يومياتهم كما صوِّرت.»




المـــقال الـــتالي
جميع الحقوق محفوظة لـ arabiafelix.social