يقف محمد عبد الله سعد على الرّصيف، حيث شمس مأرب اللاّفحة، منكبّا على أشجار الزّينة. بساعديه الأسمرين، يتلاعب سعد بمقص التشذيب وكأنّه فرشاة في يد فنّان تشكيلي، راسمًا لوحات طبيعية بديعة في أنحاء مدينة مأرب.
يعمل سعد، ٢٥ عامًا، مع صندوق النّظافة والتّحسين في محافظة مأرب منذ ثلاثة أعوام فنيًّا في تشذيب وتشكيل الأشجار.
تعاني مدينة مأرب من التّصحّر، حيث لا تكاد تجد فيها شجرة تستظل بها. لهذا السّبب، لاحت فكرة تشجير المدينة من أجل مواجهة زحف الرّمال وإضفاء طابع جماليّ عليها.
«كان عمل الصندوق مقتصرًا على تنظيف الشّوارع ورفع المخلّفات. لكن اليوم، هناك العشرات يمتلكون خبرة كافية في الاعتناء بالأشجار وتشكيلها بأنواع وأحجام مختلفة تسرّ الناظرين وتبهج المارّين»، يقول سعد.
«نتمنى أن نكون أكثر وعيًا بأهمّيّة النّظافة ونعرف إنّها مسؤوليّة جماعيّة.»
يمثّل المهمّشون، حَسَبَ إعلام صندوق النظافة، ٢٣ في المئة من إجمالي موظّفي الصندوق، إضافة إلى أكثر من ٧٠ في المئة من المهاجرين الأفارقة بعدد ٤٢٠ عاملًا، إضافة إلى عشرات الموظّفين من النّازحين والمقيمين في مأرب. كل هؤلاء يمثّلون صنّاع الجمال والبهجة في المدينة الصحراوية، الذين يتّسم عملهم مع بعضهم البعض بالتّعاون والاحترام المتبادل. يعمل يوناس تمرو، ٢٣ عامًا، الذي ينتمي لشعب الأورومو الإثيوبي، في صندوق النّظافة منذ سنة، ولا يشعر بأيّ تمييز. «نأكل ونشرب معًا وحتّى ساعات العمل متساوية لنا جميعًا.»
رغم الحرب المشتعلة في أطراف المحافظة منذ ثمان سنوات، إلا أن عجلة التّشجير لم تتوقف. خلال الخمس سنوات الأخيرة، زرع الصندوق قرابة ٦٠ ألف شجرة زينة متنوعة، منها أكثر من ٢١ ألف نخلة خلال سنة ٢٠٢١م، إضافة إلى تعشيب مساحات خضراء واسعة.
«استقدمنا خبراء وكوادر من مدينة سيئون التي رأينا جمال شوارعها أثناء زيارة قمنا بها. تمّ تدريب كوادر الصندوق الفنيّة وعقد دورات مختلفة في القص والتّشكيل والتّشذيب والتّعامل مع الأنواع المختلفة لأشجار الزينة»، يحكي مدير صندوق النّظافة والتّحسين الحكومي محمد عطية، ٥٠ عامًا. شمل هذا التدريب منتسبي الصّندوق من المهمّشين وغيرهم من العاملين المحليّين.
وأنت تتنقل في شوارع مأرب، تجد شارع الحبّ مبتهجًا بأشجاره التي زيّنت على شكل قلوب دافئة. أما شارع الجامعة، فتأخذ الأشجار فيه شكل الكتب المفتوحة. في شارع ثالث تجد سفينة الصحراء ودَلَّة القهوة البدوية، وأشكال بديعة وآسرة أخرى تفاجئ كل من يزور المدينة.
يقول صلاح علي، ٣٥ عامًا، الذي قدم من محافظة إب إلى مرأب للحصول على جواز سفر، إنه زار مأرب من قبل، ووجدها أشبه بقرية من الرّمال والعواصف الترابية. «لم أتوقع أن مأرب أصبحت بهذا الجمال والبهجة. بصراحة أبدع صنّاع الجمال أيما إبداع وحوّلوها إلى واحة خضراء»، يقول علي.
يقابل عمل محمد عبد الله سعد وزملائه بتقدير مجتمعي عال واحتفاء شعبي، لأنهم وفّروا ملاذًا من التصحّر، زينوا شوارع مأرب وأضافوا بهاء غير معتاد يستمتع به السّكان. يقول الصحفي عبد الله طربوش، ٢٨ عامًا، المهتم بتغطية الشؤون البيئيّة: «نكنّ لصنّاع الجمال كل الاحترام، لمَّا نشتهي نريح على أنفسنا ونستمتع بجو حلو نخرج للجزر اللي على الأرصفة نستمتع بذلك الاخضرار والجمال وندعو لهم بالعافية.»
تحتفي محافظة مأرب بعمّال النّظافة والتّحسين وتكرّمهم بشهادات تقديريّة ومبالغ ماليّة، بمشاركة مجتمعيّة ومن طرف بعض رجال الأعمال في ١٢ ديسمبر من كل عام، اليوم الوطني للنظافة. هذا ويُقام يومٌ ترفيهي مفتوح لجميع منتسبي الصّندوق، اعترافًا بالجميل الذي قدّموه والجمال الذي صنعوه.
«نشعر بالفخر والإنجاز عندما نجد من يقدّر جهودنا وعملنا، رغم أننا نعمل لأجل الوطن ولسنا منتظرين الشّكر من أحد»، يقول محمد عبد الله سعد، ويضيف موجهًا رسالته للمجتمع: «نتمنى أن نكون أكثر وعيًا بأهمّيّة النّظافة ونعرف إنها مسؤوليّة جماعيّة وليست وظيفة عامل النّظافة فقط.»