سمر عبد الله، صنعاء
«جاءت تشكيلة الحكومة اليمنية خالية من النساء لأول مرة منذ عشرين عامًا، فيما كن قبل ذلك شريكات ولو بشكل قليل في تشكيل الحكومات»، تقول د. بلقيس أبو أصبع، أكاديمية في كُلْيَة العلوم السياسية في جامعة صنعاء.
تراجعت مشاركة المرأة السياسية بفعل الحرب، وبسبب السلطة الأبوية التي تحدّ من مشاركة النساء عمومًا. إضافة إلى ذلك، انخرطت المرأة اليمنية في الأعمال الإغاثية أكثر من السياسية، وهاجر عدد من الفاعلات السياسية إلى الخارج.
رغم تهميش المرأة اليمنية في التاريخ الحديث إلا أن ثمة نساء كان لهن دور فاعل في بناء الحضارة اليمنية. ربما تاريخيًا أول اسم يطرح على بال الأغلبية هو بلقيس، ملكة سبأ.
حكايات حاكمات اليمن
حكايات ملكات اليمن كثيرة، يمكن تتبع البعض منها بالأدلة. أما الباقي، فيوضع في خانة الحكايات المحلية أو حتى العالمية. قصة ملكة سبأ تراث عالمي يربط بين الديانات السماوية الثلاثة.
تذكر الموسوعة اليمنية، من إعداد، طبع، نشر وتوزيع الراحل أحمد جابر عفيف، وزير التربية والتعليم اليمني ورئيس مؤسسة العفيف الثقافية سابقًا،
اللهم أدم أيام الحرة الكاملة السيدة كفيلة المؤمنين.»
أن ملكة سبأ كانت معاصرة للنبي سليمان في القرن العاشر. يُعدّ القرآن والتوراة المصدرين الأساسيين لقصة ملكة سبأ، رغم أنه لم يرد لها اسم في الكتابين، حيث نُعِتَت بملكة سبأ أو ملكة تيمنا، مملكة الجَنُوب، اسم اليمن في التوراة.
ملكة سبأ كانت قوية وحكيمة، مما جعل عددًا من الممالك تنسبها لنفسها مثل مملكتي أكسوم في إثيوبيا، والبنط في صوماليا\إرتريا. تولّت بلقيس الحكم وسط ازدراء البعض. استطاعت التخلص من عداوة وملاحقة ملك حمير عمرو ذي الأذعار وجبروته وتقلّدت بعده الحكم، حسب ما ورد في كتاب التيجان في ملوك حمير، للمؤرخ وهب بن منبه، الذي نُشر في طبعته الثانية من طرف مركز الدراسات والأبحاث اليمنية سنة ١٩٧٩م، علمًا أن النسخة الأصلية للكتاب تعود لسنة ١٠٣٤هـ \١٦٢٤م.
ربما بلقيس هو الاسم الأول على لائحة أسماء ملكات اليمن، ولكن ليس الأخير. كتب المؤرخ والشاعر اليمني ابن الحائك الهمداني، الذي توفي سنة ٩٤٥ م، في كتاب الإكليل:
ولدتني من الملوك ملوك … كل قيل متوج صنديد
ونساء متوجات كبلقيس … وشمس ومن لميس جدودي
قصة لميس بنت أسعد ثرية، حيث إنها حكمت أرض سبأ مع ابنها إفريقيس بن ذي منار، الذي يقال إن أفريقيا سميت باسمه والذي كانت له عدة حملات في شمال القارة الأفريقية. تضم لائحة حاكمات اليمن كذلك الملكة شمس، التي هي حسب الهمداني أخت لميس. شمس ولميس ابنتا بلقيس من زوجها ذو بتع، حسب نفس المؤرخ.
حسب رواية أخرى، عرفت سبأ كذلك حكم الملكة نادين ذي صدقن شمس، التي قام مشروع حضارة اليمن بتقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز بتصميم تخيلي لها، بعد أن انتشرت صورة لتمثالها على الانترنت. لحد الآن، ليس هناك أي دليل على أن التمثال يعود حقا لملكة، ولكنه في كل أحوال تمثال امرأة تميزت بسلطة وكانت ذات شأن، كما يفسر الدكتور المتخصص في علم الآثار في جامعة إب، منير العريقي. عثر على تمثال نادين ضمن مئة تمثال، في جبل العود، محافظة إب، حسب العريقي. أما في حضرموت، فلقد حكمت الملكة ملك حلك، الملقبة بملكة حضرموت، ابنة الملك السبئي علهان نهفان، في أواخر القرن الثاني الميلادي.
ملكات مسلمات
«لليمن وضع استثنائي في العالم العربي، ليس لأن العديد من النساء مارسن فيه السلطة السياسية، ولكن لأن اثنتين منهن، الملكة أسماء والملكة أروى، تمتعتا بالامتياز والمعيار الثابت لرئيس الدولة ألا وهو الخطبة التي كانت تلقى في المساجد باسميهما.» هكذا تبدأ الكاتبة وعالمة الاجتماع فاطمة مرنيسي استعراضها لملكات اليمن، في كتابها، سلطنات منسيات.
كلتا الملكتان كانتا تحملان اللقب الملكي ذاته: السيدة الحرة. حسب المرنيسي، هذا اللقب يعني لغويًا «السيدة النبيلة، الحرة، المستقلة، المرأة الحاكمة التي لا تخضع لأي سلطة عليا». كان النص الحرفي للخطبة كما يلي: «اللهم أدم أيام الحرة الكاملة السيدة كفيلة المؤمنين».
تعتبر أسماء بنت شهاب أول ملكة عربية بعد دخول الإسلام. كانت أسماء، التي توفيت عام ٤٨٠ هـ\ ١٠٨٧ م، شاعرة ومستشارة حاكم اليمن، زوجها علي بن محمد الصليحي، مؤسس السلالة التي تحمل اسمه، والذي توحدت اليمن في عهده.
الملكة أسماء كانت كذلك أم المكرّم، وراعية أروى، التي تزوجت المكرّم وأصبحت هي الأخرى ملكة لليمن. بين سطور كتاب أروى بنت اليمن نجد أن أروى حملت وحدها عبء المسؤولية لحكم البلاد لمدة ٤٠ سنة. بعد وفاة زوجها المكرم سنة ٤٧٧ هـ أصبحت تتصرف بتفويض من الخليفة الفاطمي الإمام المنتصر بالله في أمور الدولة والدعوة الاسماعيلية في اليمن، الهند وعمان.
يثبت الكاتب اليمني والمعاصر عبد الله الثور، في كاتبه هذه هي اليمن بوضوح أن عهد الملكة أروى كان «عهدًا مباركًا وهادئًا في تاريخ اليمن». اتخذت أروى من جِبلة، ستة كيلومترات جنوب مدينة إب، عاصمة لها بدل صنعاء بعد مرض زوجها، لموقعها المحاط بالجبال وارتفاعها، حيث تقع على ارتفاع أكثر من ألفي متر. جعل ذلك جبلة عاصمة أكثر أمانًا واستقرارًا.
تجاوزت قصة الملكة أروى التاريخ لتدخل في إطار الخرافة الشعبية، حسب كتاب الثقافة الشعبية – تجارب وأقاويل يمنية للشاعر والكاتب اليمني عبد الله البردوني. خرجت القصص الشعبية بعدد من الخرافات التي نسبت إلى السيدة أروى منها أنها «كانت تملك عشرة من عفاريت الجان يحملون إليها كل ما تطلبه من ذهب الصين وحلل الهند كما ينقلون إليها أخبار المتآمرين ومكائد الأعداء»، حسب البردوني.
كان اليمنيون يستغيثون بالسيدة أروى عند حدوث أي ضائقة، وكان الدعاء الذي يؤدى هكذا: «يا لجاه السيدة، والكرامة السيدة، الغارة يا أم الخير.» يفسّر البردوني سبب كرامة أروى ربما يعود إلى نزاهتها «لأنها لم تحتكر أموالًا وإنما كانت تفرّق على الفقراء ما تملك إلى جانب ما يستحقون من بيت المال».
عدا أسماء وأروى، حملت الملكة عَلَم، التي حكمت إمارة الزبيد، المدينة المجاورة لصنعاء، لقب الملكة الحرة. من جارية بسيطة وصلت علم، عبر ذكائها وحكمتها، إلى إدارة شؤون المملكة. بعد موت زوجها ملك زبيد، منصور بن نجاح، استمرت في حكم زبيد، باسم ابنها الذي كان طفلًا، دون أن تحصل على امتياز الخطبة. توفيت علم سنة ٥٤٥هـ\١١٥٠م، إلا أن حكمها توقّف قبل ذلك، عندما قُتِل ابنها بالسم سنة ٥٣١هـ\١١٢٠م.
تاريخ اليمن ثري بملكاته وسيداته الحرات. سواء كانت قصصهن حقيقية ومسجلة في التاريخ أو صورًا مركبة لنساء تميزن بالقوة والسلطة، تبقى أسماء ملكات اليمن حية في قصص الموروث الشعبي، التي تدلّنا على ما كان ممكنًا في الماضي، وربما حتى ما هو ممكن في المستقبل.
—-
بروفايل
محمد علي محروس، تعز
تخيّل أن تكون منهمكًا في دوامكَ وتصلك رسائل تقدير بما تقدّمه لمجتمعك دون مقدّمات. يمثّل لكَ ذلك جرعة سعادة كاملة، تنتشلك مما أنت فيه وتشجعك على القيام بمهامك على أكمل وجه. هذا ما عاشته شِينَاز الأكحلي، ٤٠ سنة، في الثاني من سبتمبر ٢٠٢١م، عندما كانت ضمن فيلم وثائقي لثلاث رائدات صناعة السلام في تعز؛ مواكِبًا لفعالية عن النساء الملهمات في المحافظة.
تقول الأكحلي: «السعادة التي غمرتني لا حدود لها، ليس فقط بما تم عرضه، ولكن بمشاعر صديقاتي اللواتي يمددنني بالعزيمة والإصرار للاستمرار فيما انتهجتُه من أجل مجتمعي وبلدي، تمنيتُ لو أنني معهن.»
تُعرّف الأكحلي بنفسها كناشطة في مجال مواجهة العنف ضد المرأة وبناء السلام. بدأت، منذ عامين، عملها كمنسقة لمشروع مجتمعات تصنع السلام، الذي تنفّذه المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع، بتمويل من المنظمة العالمية غير الربحية سيفرورلد.
لمشروع مجتمعات تصنع السلام شقّان، الأول يعمل على تأهيل وتنمية القدرات الشبابية للجنسين في تحويل النزاعات وحلها. تتميّز المرحلة الثانية بالعمل الميداني لفضّ نزاعات مجتمعية وحلها، بالتنسيق مع السلطات الرسمية.
عانى سكان العدوف، الشعب وعميقة، ثلاث قرى في مديرية صبر الموادم، جنوب مدينة تعز، من نزاع دام ثلاثين سنة، حول ملكية ماء نبع السوري، وحصة كل قرية من مجموع المياه فيه. تطوّر هذا النزاع، المعروف بماء السوري، إلى أن أدى إلى تدمير مواسير المياه وانقطاع الماء عن القرى من هذا النبع لأكثر من ثمانية سنوات. نجح فريق الأكحلي في حل هذا النزاع في ٢٠٢٠م، بعد أشهر من الاجتماعات المُكثّفة ولقاءات تقريب وجهات النظر بين أعيان المنطقة.
قادت الأكحلي المشروع خلال مرحلة حساسة، فاليمنيون لا يتقبّلون المرأة كواجهة اجتماعية، لكنها عملت على مواجهة هذه النظرة، وجعلت النساء يقدن جهود الوساطة المحلية لحل النزاعات.
يشترط المشروع العمل بحصة كوتا ٣٠ في المئة للمرأة، وفق نصوص مخرجات الحِوار الوطني. تجاوزت الأكحلي هذه النسبة ونجحت في الوصول إلى نسبة ٥٠ في المئة، أي إلى تمثيل متساو بين النساء والرجال في الفريق الذي عمل على نزاع مياه صبر الموادم. تعبّر الأكحلي عن ذلك ببهجة: «أولوياتي تتوقف على تحفيز المرأة وتشجيعها للقيام بما يجعل منها رقمًا صعبًا، لا يمكن تجاوزه، وأظنني نجحت».
منيرة الصامت، ٣٣ عامًا، إحدى النساء اللواتي قدن عملية الوساطة والتفاوض، تحكي عن التجربة بحفاوة: « كنتُ لا أستطيع التحدّث، ولا أعرف ما سأفعله، دائمًا ما كانت شيناز تحفزني وتدفعني للمشاركة، لا أنسى ما كنت عليه، وأين أنا اليوم، أقود مبادرةً محلية، وأدرّب في بناء السلام، ما كنتُ لأكون لولاها».
الأكحلي كذلك منخرطة في العديد من المبادرات المحلية، فهي عضوة في شبكة وسيطات تعز، وفي فريق نساء تعز من أجل الحياة، وفي اللجنة الرسمية للتفاوض من أجل فتح ممراتٍ إنسانية إلى تعز. وجدت الأكحلي دعمًا لا محدودًا من أسرتها، جعل منها حقوقيةً وفاعلةً إنسانية في مدينتها ذات الأوضاع المتقلّبة. كما تقول، هذا يعني لها الكثير في مسيرتها للدفاع عن الحقوق والحريات، والمناداة بتعزيز الحضور النسائي على كافة المستويات.
عَمَل الأكحلي يصل كذلك إلى مساعدة أفراد فريقها، كما كان الحال مع الشابة شروق الرفاعي، التي تعرّضت للتنمّر. دعمت الأكحلي الرفاعي للخروج من المأزق النفسي الذي تعرضت له. «كل ما بوسعي قوله عنها إنها امرأةٌ عظيمة، تُناضل من أجل أسرتها ومجتمعها دائمًا»، تقول الرفاعي.
تُستقبل الأكحلي من الأطفال والنساء والأعيان بحفاوة، بمجرد وصولها إلى منطقة الشِّعِب، مركز مديرية صبر الموادم. استطاعت الأكحلي أن تصنع الفرق، وتبدد الصورة النمطية عن المرأة وحصرها في أدوار لا تستطيع تجاوزها. نساء المنطقة يخبرنك دون أن تسأل بما تعنيه الأكحلي لهن، فنظرتهن للحياة تغيّرت، وأصبحن على إدراك تام بحقوقهن على المجتمع وواجباتهن تجاهه.
—-
صفحة مشروع مجتمعات تصنع السلام على الفيسبوك.
بروفايل
زين العابدين علي، سيئون
في جَلسة مع نساء المخيم شفتُهن يتحسرن على فوات قطار التعليم، فقلت لهن مستعدة أعلمكن»، هكذا بدأت النازحة سَعْدِيّةْ عَلِي، ٣٧ سنة، سرد حكايتها التي بدأت منذ تخرّجها من الثانوية العامة. كان عمرها آنذاك ١٦ سنة.
بدأت سَعْدِيّة رحلتها مع التدريس بعد عامين من تخرّجها، حيث انتقلت بين مديريتي الزُهْرَةْ في محافظة الحُدَيْدَة وعَبْسْ، في محافظة حَجَّة. عملت في ثلاث مدارس للفتيات والأولاد قرابة عشر سنوات دون مقابل مادي، إلا من بعض الدعم والإعانات الزهيدة من زملائها المدرسين.
خلال العشر سنوات تلك، تطوّعت كذلك بتقديم دروس لمحو الأمية، علمّت خلالها قرابة ١٥٠ امرأة. واصلت تجديد مِلَفّ طلب توظيفها كمدرسة رسمية سنويًا، ولكن للأسف دون جدوى.
إنها امرأةٌ عظيمة.»
مع الحرب، قرّرت الفِرَار من قرية القَفْلَة في عَبس برفقة عائلتها المكونة من زوج وثلاثة أطفال. كانت خائفة من التجنيد الإجباري لطفليها، اللذان كانا في سني الرابعة عشر والسابعة عشر. «بعدما شالوا من القرى المجاورة أطفال في سنهم خفت الدور يجي علينا ويأخذوا أولادي للجبهة»، تفسّر سَعْدِيّة.
تَرَكَت منزلها، ممتلكاتها، أغنامها وما يقارب أربعة عقود من الذكريات، وأخذت معها ملابسها وملابس أسرتها فقط. بعد أن قطعت مئات الكيلومترات، وصلت إلى مخيم مَرْيَمَة للنازحين، شرق مدينة سَيْئُوُن، في أبريل ٢٠٢م.
كل يوم ولمدة ساعتين في خيمتها المتواضعة، تُدرّس سعدية ٥٥ طالبة، أعمارهن بين ١٥ و٥٠ سنة في مستويين دراسييّن، لكل مستوى ساعة من الزمن. «العام الماضي سجّلت ٢٥ امرأة والآن هن في المستوى الثاني. وهذه السنة التحق بالدروس ٣٠ طالبة.» عند تقديمها خدمة مثل التعليم، تشعر بالسعادة. «أحس أني قدمت شيئًا للمجتمع عندما أرى امرأة كبيرة تكتب بفرح وتقرأ ببهجة غامرة بعد أن حُرمت من التعليم منذ الطفولة.»
تقف الخمسينية مُلْهِيِّة زُعَيْطْ بمواجهة السَّبُّورَة لكتابة الأحرف، بينما سعدية تشيد بأدائها وتصفّق لها زميلاتها، فتبدو ملامحها خجولة ومبتهجة. «عندما لا تصحّح لي دفتري أو تخليني أوقف على السَّبُّورَة أزعل لأني أشتي أنافس زميلاتي»، تقول زُعَيْطْ.
أزاحت سعدية ستار الظلام عن رفيقاتها في النزوح، مدّت الأمل والمعرفة وفتحت أعينهن على النور. «بدون علم أنت أعمى ولو تبصر»، هكذا تصف الطالبة الثلاثينية صَبَاحْ البَرِحْ ضرورة التعليم. تضيف البَرِحْ أنه من المهم جدا بالنسبة لها إمكانية فهم ما يدرسه أطفالها في المدرسة، يعاني سكان المخيم، الذي يضم ٢٧٠ أسرة، من انعدام أو قلة الخدمات الأساسية. «أغلب النازحين يكدحون من أجل كيلو دقيق، أما الماء نروح نحمله من مكان بعيد خارج المخيم، ما فيش معنا حتى برادات ماء»، تصف البَرِحْ. وبالنسبة لاحتياجات التعليم فهي كثيرة منها «مبنى ملائم ومرتّب منتظم وأدوات مدرسية»، لأن «معظم الطالبات وضعهن صعب، لم يستطعن طباعة الكتاب المقرر الذي يكلف الطالبة ١٠٠٠ ريال (ما يعادل دولارًا أمريكيًا واحدًا)».
رغم هذه المعاناة المتعدّدة الوجوه تقسم البَرِح: «والله لنتعلم لو نجلس على التراب.» مع كل حرف، رَقْم وسورة، تأخذ سعدية بيد البَرِح وزميلاتها نحو عالم المعرفة الأوسع. بعد كل حصة، تنصرف الطالبات، كل واحدة لمشاغلها، إلى حين وصول موعدهن في اليوم اللاحق في خيمة المعلمة سعدية.
بروفايل
فاطمة باوزير، المكلا
تؤمن الباحثة الاجتماعية رائدة رويشد أن الدراسات والأبحاث تساعد على فهم أسباب العنف وتساهم في حلها لاحقًا. بعد أن درست رويشد هندسة الحاسوب في جامعة حضرموت، ولم تجد وظيفة في مجالها، توجهّت لمحيطها ولإشكاليات العنف فيه.
عملت بعد ذلك رويشد في عدة منظمات، كلها تتخصص في مجال الحدّ من العنف والنزاعات. يختلف العنف حَسَبَ المكان، غير أن العنف القائم على النوع الاجتماعي هو أحد أبرز أنواع العنف المنتشر في اليمن.
لهذا قررت رويشد التركيز على «القضايا الخاصة بالعنف ضد المرأة تحديدًا، عبر تنفيذ برامج من شأنها أن تخفّف من حدّة العنف وتلفت نظر الجهات المعنية بضرورة التدخل».
تصف رويشد عملها، كاستشارية تحليل النزاعات والنوع الاجتماعي، بأنه اللبنة الأولى في طريق وضع الحلول، لأنه يعمل على إرساء إجراءات عملية تساعد في التخفيف من حدة العنف.
في ٢٠٢١م، عملت رويشد في برنامَج رفع صوت المرأة والحدّ من العنف القائم على النوع الاجتماعي، مشروع مموّل من الاتحاد الأوروبي ومنفّذ من قِبل منظمة البحث عن أرضية مشتركة، يساهم حاليًا في تأهيل المؤسسات والجمعيات النسوية العاملة في مجال العنف، ويدعم المبادرات الصغيرة في الحدّ من العنف الذي تعانيه النساء ضمن محافظات لحج وحضرموت.
حسب مركز العربية السعيدة للدراسات في تقرير تحت عنوان تأثير الحرب في العنف ضد النساء والفتيات في اليمن، «تاريخيًا، كانت المرأة في اليمن أقل قوة في المجتمع من الرجل، وكان العنف ضد النساء والفتيات -قبل اندلاع النزاع في اليمن- مشكلة متكررة، لاسيما في إطار الأسرة».
إضافة إلى ذلك، فالعنف ضد المرأة يكون دائمًا مرتبطًا بعادات المجتمع. «من المعيب من الناحية الاجتماعية القيام بالتبليغ عن الإساءة من قِبل فرد قريب مثل الأب أو الزوج، كما أن من العيب للغاية في الثقافة اليمنية ضرب المرأة أو إهانتها، رغم ذلك، فإن من حق الأب أو الأخ القيام بذلك من أجل تأديب الفتاة والمحافظة على شرف الأسرة، بحيث لا ينظر إلى مسألة التأديب على أنها أمر معيب، وتعتبر في العادة شأنًا داخليًا خاصًا بالأسرة. كما أن الثقافة الأبوية المترسخة، غالبًا ما تمنح الأزواج -لا الزوجات- حق اتخاذ القرار داخل الأسرة، ما يؤدي إلى زيادة احتمالات وقوع العنف ضد النساء»، حسب نفس الدراسة.
في اليمن، لا تتمكّن المرأة من طلب العون والمساعدة ضد مُعنِّفِها أو تقديم الشكوى للجهات الرسمية ذات الاختصاص. «لا يبدو أن للأسرة دور كبير في دعم المرأة عند تعرّضها للعنف»، كما تقول رويشد، إذ تتجنب الشكوى على أسرتها خَشْيَة العقوبة والسمعة السيئة، فيما تتستّر أسر على معظم قضايا العنف ضد المرأة خاصة تلك التي تمسّ الشرف. «هذا ويضاعف غياب خدمة متخصصة في استقبال قضايا العنف في بيئات مثل الأرياف من معاناة المرأة ويفاقم من تعرّضها للعنف»، تضيف رويشد.
إضافة إلى الجانب المجتمعي، أدت الحرب وتداعياتها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى ارتفاع حالات العنف ضد النساء في اليمن.
حسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان صدر في فبراير ٢٠١٨م، فإن الحرب أدت إلى «تآكل شبه كامل لآليات الحماية المتاحة» للنساء و «زيادة تعرّضهن للعنف وسوء المعاملة». حسب تقارير لنفس المنظمة، فإن عدد النساء المعارضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفع من ثلاثة ملايين في ٢٠١٧م إلى ستة ملايين في ٢٠٢١م.
هذا وقد وصلت معدلات زواج الأطفال بين الفتيات اليمنية دون سن ١٨ عاما إلى ٦٦ في المئة، سنة ٢٠١٧م. وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى ٧٥ في المئة، حسب تقرير لليونيسف نُشر في يونيو ٢٠٢١م تحت عنوان عندما يتعرقل التعليم – تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن.
وعن الهياكل التي تعمل على الحد من العنف ضد المرأة، تقول رويشد إن الأمن والقضاء هما الجهتان الرسميتان اللتان يجب أن تتوجه إليهما المرأة عند تعرّضها للتعنيف. تعمل الهياكل الرسمية ضمن إجراءات قانونية محدّدة تبدأ بتقديم الشكوى من طرف المُعنَّفات وتنتهي بالحكم وفق إجراءات الدلائل والإثباتات.
غير أن التعامل مع هذين السلكين يتصف بالمحدودية، حسب قولها. «تلجأ أغلب المُعنّفات للهياكل غير الرسمية، مَّمثلة بالمنظمات الحقوقية كاتحاد نساء اليمن»، وذلك لسهولة تعامل المرأة الُمعنَّفة مع كيانات نسوية، تلتزم ولو جزئيًا بتقديم الدعم النفسي، تسهيل الوصول لدور الإيواء والترافع أمام المحاكم.
تواصل رويشد مساهماتها في التخفيف من حدة العنف عبر التوعية والتثقيف، ومن ثم العمل مع السلطات على مشاريع تساهم في الحد منه، مع أملها أن تستمر هذه المساهمات في تحقيق تغيير ملموس في حياة نساء اليمن.
—
بروفايل
زين العابدين علي، مأرب
انتقلت من إب إلى مأرب قبل ٢٢ عامًا، وطموحها تأسيس تجارة خاصة بها. بلاغ أحمد العوشمي، ٤١ عاما، أم لطفلين تزوجت وعمرها ١٥ سنة. نجحت سنة ٢٠١٣م في افتتاح مشروعها الخاص: محل لبيع الملابس، العطور، أدوات التجميل والمطبخ. هكذا كانت العوشمي أول امرأة تملك محلًا وتعمل فيه في محافظة مأرب.
العربية السعيدة: أخبرينا عن بداياتك؟
بلاغ العوشمي: كنتُ أحترف نقش الحناء لأخواتي وصديقاتي، والأعمال اليدوية من صناعة المكانس، الحياكة اليدوية والمعاوز الرجالية والكوافير. نجاحي الأول كان في صناعة وبيع الآيس كريم في منزلي والمدرسة. كان الربح جيدًا إلى أن جمعت مبلغ خمسين ألف ريال (ما يقارب ٢٣٠ دولارًا أمريكيًا آنذاك). حينها قررت فتح محل تجاري، وذهبت إلى صنعاء لشراء بضاعة، كانت عبارة عن كرتون في المنزل. ما زلت أذكر سخرية الجيران. كان ذلك تقريبًا في عام ٢٠١٢م.
كلما أتى زَبُون لطلب شيء غير موجود أسجله وأعمل على توفيره خلال أسبوع إلى عشرة أيام. أقوم بالاتصال بالشخص وأخبره أن طلبه متوفر. كان ذلك بالتزامن مع عملي بالكوافير والنقش. كل الدخل أضيفه إلى رأس مال المحل. توّسع محلي وتنوعت محتوياته من ملابس للنساء والأطفال إلى أدوات المطبخ والتجميل والعطور.
العربية السعيدة: كيف تطوّر عملك؟
بلاغ العوشمي: انتقلتُ بعد ذلك إلى شراء وتأجير باصات نقل صغيرة ودراجات نارية. كان زوجي يشرف عليها ويتابع المستأجرين، والمردود أشارك فيه بأسهم في جمعيات [يساهم مجموعة من الأصدقاء أو المعروفين بدفع مبلغ محدد شهريا وكل شهر يحصل على المبلغ الكامل أحد أعضاء المجموعة]. كلما استلمتُ مبلغًا معينًا من الجمعية أستثمره في شيء. لا أحب السيولة المالية أو الحسابات البنكية.
بعدما أن توفي زوجي عام ٢٠١٨م قمت ببيعها [الحافلات والدراجات] واتجهت إلى العقارات وبناء وتأجير المنازل. بنيت منزلي الأول، سكنت في الدور الثاني وأجرّت الدور الأول لقرابة سنة. جمعت فلوس، عن طريق المشاركة في أسهم الجمعيات التي وصلت أحيانا إلى ثمانية ملايين ريال (ما يقارب ٢٥ ألف دولار أمريكي آنذاك). وكلما استلمت مبلغ الجمعية أستثمره في العقارات. هكذا اشتريت البيت الثاني ثم بنيت الثالث، المكون من أربعة أدوار – كلها مؤجرة.
العربية السعيدة: كيف تجاوزت العادات والتقاليد التي تَحُول دون عمل المرأة؟
بلاغ العوشمي: تغلّبت عليها بإصراري وبدعم زوجي الراحل، خاصة وأن أهلي كانوا رافضين عملي ومتمسكين بالعادات والتقاليد التي تحرّمني العمل وكانوا يمنعوني حتى من نقش الحنّاء والكوافير.
لا تشعرن بالخجل، بل اشتغلن وأنتن مرفوعات الرأس بكل فخر واعتزاز.»
العربية السعيدة: ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك؟
بلاغ العوشمي: ثقافة العيب والعادات والتقاليد المتشدّدة، وكذلك منع أخي الكبير أن أشتغل حتى بنقش الحنّاء، إلى درجة إنه كان يحرّض على زوجي أهله وأخوته – لماذا يسمح لي بالعمل وتشويه العادات والتقاليد القبلية حسب قوله. هذا أكثر شيء واجهني. والصعوبات كثيرة لكن ما نستسلمش، ولم يوقفني أي عائق. دخلتُ في مجالات متعددة وتلقّيت كثيرًا من الخسائر، لكن عمري ما رجعت للوراء، كلما خسرتُ بمجال أتعوض في مجال آخر وهكذا طبيعة التجارة: ربح وخسارة.
العربية السعيدة: كيف كانت نظرة المجتمع لك كأول امرأة تفتح محلًا في مأرب؟
بلاغ العوشمي: معظم بضاعتي نسائية، وبهذا أغلب الزبائن نساء. هناك احترام متبادل في الحصون بين الجميع، والأهم ما تسوي شيئًا خطئًا. فطوال ١٢ عامًا منذ فتحتُ المحل وحتّى اليوم، لم أتعرّض لمضايقات. كما أنك لا تشعر أنك من منطقة أخرى أو مختلف عنهم، حتى لو كانت لهجتك وشكلك مختلف عن المجتمع. التعايش الحاصل بالحصون كبير إلى درجة أن باب المنزل أحيانًا لا يُغلق من الأمان.
العربية السعيدة: لم تجيدِي القراءة والكتابة، كيف أثر على عملك؟
بلاغ العوشمي: تعلّمتُها مؤخرًا لكن بداية العمل كنتُ لا أعرف القراءة والكتابة نهائيًا، ومع الوقت، علّمنني أخواتي وكذلك أولادي. كنت أسوّي علامة معينة على فواتير الشراء وأعرف الأسعار من خلالها. الآن أصبحت أدرّب نساء ونازحات في بعض المؤسسات بمأرب على الخياطة والنقش والكوافير وتدعوني أكثر من مؤسسة لأعطي تدريبات.
العربية السعيدة: كيف أثّرت الحرب على تجارتك؟
بلاغ العوشمي: أشتري بضاعتي من صنعاء. وهناك ارتفعت نسبة عمولة الحوالات المالية فيها إلى ٥٠ في المئة، مما أثّر على عملي. كذلك افتتاح المولات دفع الزبائن إلى الشراء منها.
العربية السعيدة: ما هي أمنيتك؟
بلاغ العوشمي: أن يُكمِل أبنائي تعليمهم الجامعي؛ ابني بالصف السابع وابنتي بالصف السادس. لأني لم أحصل على حقي في التعليم، لا أريد حرمانهم منه، وسأبذل كل جهدي لذلك. ويبقى لي حلم وحيد وهو بناء برج ضخم يتجاوز ١٢ طابقًا ويكون الأكبر في مأرب.
العربية السعيدة: ماهي رسالتك للنساء؟
بلاغ العوشمي: أقول للنساء لا تستسلمن للمعوقات، المُحبطون كثيرون وقد يكونوا من الأهل والأصدقاء والمجتمع المحيط، لكن أقول لا تستسلمن، المهم أنكن تعملن شيئًا مفيدًا لحياتكن ومستقبلكن وأولادكن، لا تشعرن بالخجل، بل اشتغلن وأنتن مرفوعات الرأس بكل فخر واعتزاز.
بروفايل
محمد علي محروس، تعز
مِسْك المَقْرَمِي ثيابًا جميلة وحملت حقيبتها المدرسية، كمئات الفتيات في قريتها، لتذهب للمدرسة. جعلها لون بشرتها السمراء عُرضةً للتنمّر اليومي، حيث تعامل معها زملاؤها وزميلاتها وحتى معلموها بازدراءٍ ودونية. في أحد تلك الأيام، انفجرت الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز يومها الثمانِ سنوات بالبكاء وعادت إلى المنزل بعينين دامعتين ونفسية منهارة، بعد أن سخر المعلّم منها وصرخ في وجهها.
«ما كنتُ لأستجمع قواي لولا أبي، الذي نهض من فوره حينها، وأعادني إلى المدرسة، ومنحني طاقةً ودافعًا كافيًا للاستمرار مهما كانت التبعات»، تقول المقرمي، التي تقترب اليوم من الأربعين. «كان أبي يرافقني، ويتصدّى لكل من يحاول النيل منّي»، هذا ما خفّف عما تعرّضت له.
يلازم المقرمي هذا الموقفُ العنصري الذي وقع في عامها الدراسي الثاني، حيث تتخذه حافزًا لها كلّما تكرّر المشهد، وكلّما دعتِ الحاجة إلى أن تستجمع قواها لإثبات ذاتها. شكّلت هذه الحادثة كذلك دافعًا لها لتصبح صوت المهمّشين المسموع، وواجهتهم الاجتماعية، وأبرز من تمثلهم. المهمّشون اسم يُطلق على ذوي البِشرة السمراء في اليمن، ومسك واحدة منهم.
للمقرمي ستة أخوة، وأختٌ واحدة. لم يدخر أبوهم جهدًا في تعليمهم، فقرّرت المقرمي أن تستمر في رحلتها ونجحت في نيل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من كلية التربية بجامعة تعز. كانت هذه خطوتها الأساسية نحو ما تريد أن تصل إليه.
«استفدتُ من أبي، كان يأخذني معه عندما يدعونه كوسيط لحل المشاكل بين الأهالي، ولا يتردّد عن مشاورتي»، تقول المقرمي. هكذا احترفت المقرمي العمل الاجتماعي في ريف مديرية الشَمَايَتَين جنوب تعز، كوسيطة محلية. استطاعت حل مشكلة بئر عالقة بين أهالي منطقتها ونجحت كذلك، عبر عملها كوسيطة بين أطراف النزاع، في فتح طريق ظلت مغلقة لخمس سنوات في منطقتها نتيجة نزاع محلي لم تتمكن السلطات المحلية من تجاوزه.
في ٢٠١٤م، أسست المقرمي كيانًٍا جامع يُعنى بقضايا المهمّشين والمهمّشات، ويقدّم لهم كافة سبل التعاون بما يُشجّع هذه الشريحة للاندماج المجتمعي، والذهاب نحو التأثير الجمعي. أصبحت مؤسسة كفاية، التي كانت حلمًا يراود مسك حقيقة، والشعار الذي رافقها منذ عامها الدراسي الثاني صار مؤسسة ذات مكانٍ وزمانٍ وهوية.
عبر «كفاية» تُنظّم المقرمي دورات تأهيل وتدريب على مستوى التوعية الحقوقية والتثقيف لفئة المهمشين، إضافة للدورات الحِرَفية التي تمكّن صاحبتها من العمل وإعالة الأسرة بالحد اليومي الأدنى. يأخذ السلام حيّزًا من أعمال المقرمي ومؤسستها، فخلال شهر أكتوبر ٢٠٢١م عملت على تدريب عشرين فتاة ضمن مشروع أسمته وسيطات السلام السمراوات، سيعملن على حل النزاعات وتوفير بيئة سلام مناسبة فيما بينهن.
تحشد أحلام علي، ذات الواحد والأربعين عامًا، قواها للوقوف إلى جانب المقرمي في رحلة الكفاح من أجل فئتهما. «تعلمت من مسك أن الاستسلام هو نهاية المطاف، ولا قيمة لما نقوم به دونها، فهي من أحيت فينا روح الإرادة وعدم التنازل عن حقوقنا»، تقول علي.
بعد سنوات من العمل، كُرّمت مسك المقرمي في الثاني من سبتمبر ٢٠٢١م من قبل منظمة أجيال بلا قات المحلية، كواحدة من بين ثلاث نساء ملهمات في تعز؛ تتويجًا لجهودها وتأكيدًا على دورها الريادي في مجتمعها.
—–
صفحة مسك المقرمي على الفيسبوك.
بروفايل
إصلاح صلاح، عدن
المتحف عصارة جهد سنين، خصصت جزءًا صغيرًا له من منزلي لعرض مقتنيات الموروث ثم توسع إلى نصف المنزل»، تقول نجلاء شمسان، ٧١ عامًا، التي أخذت على عاتقها مهمة توثيق الموروث والأزياء الشعبية اليمنية.
درست شمسان الابتدائية في مدرسة الميدان في مديرية كريتر، وكانت ضمن أوائل الصف. شاركت في ثورتي سبتمبر ١٩٦٢م ضد المملكة المتوكلية وأكتوبر ١٩٦٣م ضد الاستعمار البريطاني، ولُقّبت حينها بالحمام الزاجل. «كنتُ في عمر ١٢ عامًا، كلّفتني معلماتي اللاتي شاركن في العمل الثوري بإيصال الرسائل التي تحدّد موعد المظاهرات، ومسار التحركات وكنت أنجح دومًا في إيصال الرسالة بسلام».
كانت حياة شمسان حافلة بعدة أعمال ومشاريع. عملت مسؤولة القضايا الاجتماعية في اتحاد نساء اليمن. بعد ذلك أنشأت أول روضة للأطفال في منطقة الشيخ عثمان، حيث ولدت، وعملت في مجال الميكانيك الذي كان مقتصرًا على الرجال فقط، وتولّت فيما بعد مسؤولية دار العجزة.
في ١٩٩٦م، افتتحت البيت اليمني للموروث الشعبي، الذي لم يحظ بأي دعم مالي، بل تموّله من مالها الخاص، مستندة على خبرتها الطويلة في مجال توثيق الذاكرة الشعبية اليمنية.
تتنوع موجودات بيت الموروث من فضيّات، فَخَّار، نسيج، مشغولات يدوية، تحفًا أثرية وأسلحة قديمة، وكل رمز للثقافة المعيشية والعادات والتقاليد اليمنية الأصيلة.
استطاعت السيدة العدنية جمع التحف بمساعدة الجوّالة وكبار السن الشغوفين بالاحتفاظ بما ورثوه أبًا عن جَدّ من جميع المحافظات اليمنية، حيث تمنحهم مبالغ مالية وتعطي لهم حرية شراء أي شيء تاريخي قد يهم متحفها. جمعت كل ماله عَلاقة بالموروث الشعبي، لتصنع منها متحفها الخاص الذي يعبّر عن اليمن التي تحب. «بدأ الأمر كهواية قبل أن يتطور إلى عشق وهوية وعنوان»، تقول شمسان.
تأخذ أقسام المتحف الزائر إلى عصور وحقب تاريخية مختلفة مرّ بها اليمن. كان لموقع المنزل الذي يحتل قلب مديرية التواهي وأمام الميناء دورًا كبيرًا في توافد السيّاح، حيث كان يقصده مئات الشغوفين بالتراث من زوار عاديين أو مثقفين وباحثين، إلى جانب مسؤولين ودبلوماسيين عرب وأجانب، يتجولون داخل المتحف ويتناولون وجبة الغداء ويلبسون الأزياء التقليدية لالتقاط الصور مقابل مبلغ رمزي بسيط. للأسف أصبح الإقبال على المتحف اليوم محدودًا بسبب توقّف السياحة في البلاد نتيجة الحرب الدائرة منذ ٢٠١٥م.
كما شارك بيت الموروث في عدد من المعارض الثابتة والمتنقّلة وورش ومؤتمرات يتم خلالها عرض المقتنيات في صناديق مخصّصة لذلك، وشرحها والتعريف بمنافعها وكيفية استخدامها قديمًا.
اليوم تقف شمسان شامخة بإنجازاتها المتعدّدة والمعبّرة عن ثراء اليمن، وكل أملها أن يعمّ السلام قريبًا في البلاد.