منذ عشر سنوات، يقطع محمد ياسين، ٣٣ سنة، مسافة كيلومترين بشكلٍ أسبوعي، من حيّ الكَوثَر، شرقي مدينة تعز للوصول إلى جولة العَواضِي، وسط المدينة، من أجل أن ينعم بحلاقته المعتادة.
«منذ الوهلة الأولى، وجدتُه يتعامل مع شعري بطريقةٍ مختلفة، بذل قصارى جهده ليجعلني أبدو جميلًا فوق العادة»، يتحدث ياسين واصفًا عمل وليد عبد الله. «قبله لم يتعامل أحد مع شعري كما فعل، صفّفه، وقصّه، وأضاف زيتًا ناسبه كثيرًا.» كان هذا سببًا جوهريًا لبقاء ياسين وفيًا لمحلّ الوليد للحلاقة، الذي يرتاده رغم وجود عشرات المحلّات الأخرى في طريقه إليه.
«يعرف جيدًا نوع الحلاقة التي أحبها»، يضيف ياسين، والذي يعمل كمندوب مبيعات، في وصف حلّاقه. «يستخدم المقص وماكينات الحلاقة بأنواعها، كما يقوم بإضافة بعض الدهانات والمرطبات الخاصة بالشعر والبشرة.»
بمجرد دخولك الصّالون، يرحب بك وليد عبد الله، ٣٥ سنة، وكأنّه يعرفك منذ فترة. الحفاوة التي يبديها ترتسم على شكل ابتسامة عريضة. بعد أن يدعوك للجلوس على كرسي الحلاقة، يبدأ حديثه معك كصديق مقرّب، حتى ينتهي من عمله.
«هذا خلل نفسي علينا التغلّب عليه حتى لا نقتل مثل هذه المهن الجماليّة التي لا غنى لنا عنها.»
«أنا أستمتع بعملي، وبسبب طول فترة الحلاقة للشّخص، أحاول أن أفتح مواضيع للحديث من أجل أن أتغلّب على الوقت، وأكون قريبًا من الشّخص، كي لا يشعر بالملل.» هكذا يصف عبد الله علاقته بزبائنه الّذين يقول إنهم يمدّونه بالطاقة الإيجابية، خصوصًا أولئك الّذين لا يعيرون الفوارق الطبقية اهتمامًا، ويتعاملون معه لشخصه.
تحيل التقاليد الاجتماعيّة في بعض المناطق اليمنيّة مهنًا عديدة إلى الاستنقاص والدونية، وتضع الضوابط والمحاذير على مستوى المعاملة والعلاقات، تصل حد عدم الزّواج أو المجاورة، وحتّى مجرّد الدّخول في صداقة دائمة مع أصحاب هذه المهن، الّتي من بينها تزيين الشعر، أو ما يُعرف بالحلاقة.
«مهنتنا أساسها الزّينة. نقوم بتزيين العريس عبر جلسة خاصة قد تستمر لأكثر من ساعة، على خلاف حلاقة وتزيين الآخرين. إضافة إلى أنّنا نقوم بتشذيب لحى البعض أو حلاقتها. من هنا تأتي قيمة مهنتنا كمهنة جمال.»
«هناك ممارسات نلمسها من خلال تعامل البعض معنا بدونية من خلال أفعالهم أو أقوالهم. المزاينة، كما يحبون أن ينادوننا، لا يتزوّجون إلّا من شريحتهم، وحتى على مستوى التّعاملات الاجتماعيّة نادرًا ما نحظى بقبول كامل»، يقول عبد الله.
يختلف الوضع قليلًا بالنسبة للنّساء، فصالونات الزينة النّسائيّة المعروفة بمحلات الكوافير ليست مقصورة على فئة معينة، بل المهنة مفتوحة لمن تجيدها. بعد بدء الحرب، قدّمت منظّمات غير حكومية دورات تدريبيّة عديدة في مجال تصفيف الشّعر للنساء من جميع الخلفيّات. أصبح تصفيف الشّعر مصدرًا مقبولًا للدّخل بالنّسبة للكثيرات. طبعًا، هناك نساء يعملن في محلّات الكوافير توارثنها عن أمّهاتهن. هؤلاء يعانين من نظرةٍ دونية كذلك، لكنّهن لا يقارنّها إطلاقًا بذات النظرة الموجّهة للرجال.
يضيف عبد الله أن هذا التّمييز موجود وهو عايشه منذ ولادته، وحتى أسرته التي توارث عبرها هذه المهنة لطالما عانت كذلك.
يوصّف الأكاديمي والباحث الدكتور في علم النّفس جمهور الحُميدي تعامل بعض أبناء المجتمع مع مهنة الحلاقة بازدراء بأنّها «سلوكيات غير مألوفة على المجتمع اليمني، ولم تكن ضمنيًا موجودة في الحياة اليمنيّة التي عُرفت بالتّسامح والقبول بالآخر.» يرجئ الحُميدي، الذي يرأس أيضًا مركز الإرشاد النفسي في جامعة تعز، هذا التمييز إلى ضعف الوعي الجمعي لدى البعض. في رأيه، التّعامل مع مهنة محوريّة بهذا الشّكل لا يمثّل كل المجتمع. يذهب الحُميدي إلى إن «هذا خلل نفسي علينا مواجهته والتغلّب عليه؛ حتى لا نقتل مثل هذه المهن الجماليّة التي لا غنى لنا عنها.»
ياسين متفائل بأن كل هذا سيتلاشى، لأنه حسب ما يقول: «ألمس في المدينة تراجعًا لنبرة الاستنقاص من الحلاقة كمهنة وممن يعملون فيها. هناك تمرّد على الكثير من العادات التي كبّلتنا طوال المراحل السّابقة.»
يعتقد وليد وبنظرة إيجابية، أن الصورة السلبية تجاه فئة عمله ليست عامّة. وعلى كل حال، فإن هذا الاستنقاص لا يمنعه من الاستمرار في مهنته المفضّلة، بل يزيده إصرارًا على صناعة الجمال، ومواكبة كل ما هو جديد في مجاله. «أنا أحب مهنتي، وها أنا أنقلها إلى ابني الذي تجاوز عمره عشر سنوات، ليكون مكاني ذات يوم.»