في طفولتها، أحبت عبير الحضرمي قصقصة الأوراق، وتدوير الأشياء، وكانت التربية الفنية من أحب الحصص التي تستمتع بحضورها في المدرسة.
عاشت عبير الحضرمي، 30 عامًا، في أسرة تقدّر الفن وتدعمه كخيار في الحياة، فهي ليست وحدها فنانة في أسرتها، بل شقيقها فنان كذلك فهو عازف للعود. تخصصت في الجامعة بالفنون التشكيلية، تخصص ينظر إليه كثيرون كترف فكري، لا فائدة منه ولا عائد مادي.
بعد تخرجها في 2014م، استطاعت الحضرمي تسوّيق أعمالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رسمت على جدران المدارس وشكّلت حرِفًا فنية من الجبس لدى مكتب مختص بالديكور، وشغلت منصب معيدة في جامعة عدن لمدة عامين.
«الثقافة والفنون هي وجه المجتمع المستقر والحضاري.»
عبر كل هذه التجارب، ظل حلم افتتاح مرسم في المكلا يراود الحضرمي منذ أيام الدراسة الجامعية. «كنت أتساءل كثيرا لم لا يوجد كيان يجمع الرسامين.» في أثناء بحثها عن إجابات شافية لتساؤلاتها، اكتشفت وجود معهد خاص بالفنون الجميلة في المكلا. الذي تم إغلاقه في 1994م.
أرادت الحضرمي تحقيق حلمها عبر إعادة افتتاح معهد محمد جمعة خان للفنون الجميلة. ولكن، اصطدامها ببروتوكولات وإجراءات معقدة وكثيرة حالت دون استمرارها بخطوتها تلك. هكذا قامت في نوفمبر 2020م، بافتتاح مرسم ملتقى الفن، الممول من جيبها الخاص، في منطقة الغار الأحمر، القريبة من خور المكلا.
فكرة إنشاء المرسم جاءت الحضرمي من أجل خلق مساحة تجمع الفنانين وذلك بدافع إيمانها بأن الفن أداة للتغيير في المجتمع.
الفن سبيل للتعايش
«الثقافة والفنون هي وجه المجتمع المستقر والحضاري، ذي التاريخ، لدّي العديد من المبادرات قيد التنفيذ مستقبلاً وجميعها تتمحور حول التاريخ والثقافة والهوية الحضارية»، تقول الحضرمي.
تقدم الحضرمي في مرسمها مساحة فنية لكل الفنانين للعمل على لوحاتهم، فهي توفر لهم يومًا مفتوحًا. في بقية أيام الأسبوع تنفذ دورات للصغار والكبار لتغطية نفقات المرسم التشغيلية، إضافة للمعارض الفنية وهي 5 معارض فنية نفّذتها منذ افتتاح المرسم.
ومن المعارض التي أقامها المرسم معرض «فن وبن» احتفالًا بيوم العودة لزراعة البُن، بعد ورشة عمل مع عدد من الفنانين الشباب. امتلأ المرسم بلوحات تفوح برائحة البُن فلا يوجد أي ألوان فيها سوى الماء والبُن.
تهتم الحضرمي بالموروث والرموز الشعبية، وتحاول في الوقت الحالي إبرازها في لوحات ومعارض تحكي وتوثق فيه للتاريخ. عبر تنوع الألوان يمكن إبراز تنوع الثقافات كما كانت تمارس في الماضي، مثلا «رمزية الهلال في الحُلي الفضية النسوية – فالهلال ذو الفص الأحمر يعني أن المرأة التي تلبسه تدين باليهودية، وأما الهلال ذو الفص الأخضر فهو يمثل المرأة المسلمة.»
تتمنى الحضرمي أن تتعمق في دراسة الفنون، وأن تزيد من مشاركاتها الخارجية في المعارض الفنية الدولية. شاركت سنة 2015م بلوحة في معرض «صورة العالم» بإيطاليا، كما واشتركت في معرض الفنانين العرب في القاهرة عام 2019م، لتشارك أيضًا في المعرض التشكيلي المرافق لفعالية الأوركسترا الحضرمية في العاصمة الماليزية كوالالمبور في نفس العام.
رغم وجود فئة متطرفة تحارب الفن وتعدّه إحدى التابوهات المحرمة، وفي ظل الحرب والأوضاع الاقتصادية التي يعيشها اليمن، إلا أن عبير ترى أن الفن هو السبيل نحو التعايش في الحياة، تقول عبير: «الفنون تهذب النفوس، والمجتمعات المنفتحة على الثقافات والفنون هي مجتمعات مسالمة متعايشة.»
نساء حضرموت ترسمن مستقبلًا أكثر إشراقاً
وفي نفس المدينة المكلا، نلتقي علوية العيدروس، امرأة أربعينية عادت إلى حضرموت بعد أربعين عامًا من الاغتراب في المملكة العربية السعودية. كانت العيدروس طفلة تميل للصمت وتعبّر عن مشاعرها وما يدور بداخلها بالريشة والألوان.
وُلِدت العيدروس في اليمن ونشأت في مكة وجدة. حصلت على درجة البكالوريوس في العلوم القرآنية من جامعة آزاد في بيروت عام 2013م. درست كذلك الإعلام، الصحافة و التلفزيون، حيث حصلت على بكالوريوس في هذا المجال من الجامعة المفتوحة للعلوم و التكنولوجيا في المملكة العربية السعودية.
«المجتمعات المنفتحة على الثقافات والفنون هي مجتمعات مسالمة متعايشة.»
خلال العشرين سنة التي قضتها في الدمام، تقدمت العيدروس للمشاركة في العديد من المعارض الفنية بالمملكة واستطاعت أن تحوز على المرتبة الأولى في إحدى المسابقات الفنية. نصحتها فنانة سعودية بدراسة الفن أكاديميًا، وهي النصيحة التي عملت بها وأحدثت نقلة نوعية في حياتها الفنية والمهنية. هكذا درست العيدروس الفن لعدة دورات منها دورة حول الرسم الأساسي و أخرى للفن الأكاديمي على يد الفنانة التشكيلية السعودية زهرة الأمير.
تصف العيدروس عملها بالواقعي والتأثيري، رغم أنها تميل أحيانا للتجريدي. لا يقتصر عملها الفني على خامة واحدة، فهي تحب استخدام الفحم، الأكريليك، الألوان الزيتية، الباستيل والمائية، كما أنها ترسم على لوحات الكنفاس، الخشب، الزجاج وحتى الأحجار والأصداف. «أحب الإبحار في جميع الفنون»، تقول العيدروس باستخدام كافة الوسائل التي تجدها.
«كانت مشاركاتي في المملكة العربية السعودية ضمن مجموعات فنية، ولم أكن أستطيع التقدم والمشاركة باسمي، وجميع لوحاتي التي أبيعها يذهب ريعها لمشاريع خيرية»، تصف العيدروس تجربتها في المملكة العربية السعودية.
«أنا سعيدة لذلك بالتأكيد، لكن الوضع اختلف بعد انتقالي للعيش في بلدي اليمن»، تفسر العيدروس. بالرغم من حصولها على الجنسية السعودية إلا أنها قررت مغادرتها برفقة زوجها وأطفالها عائدةً إلى اليمن في أواخر العام 2017م. منذ ذلك الوقت انطلق اسمها في فضاء الفن عبر مشاركاتها في معارض خارجية.
«لقد استفدت من دراستي الأكاديمية للرسم وتحوّلت هوايتي إلى مهنة تدرُ ربحاً ماديًا، واستطعت المشاركة في معارض داخلية وخارجية باسمي وقمت ببيع العديد من اللوحات.»
شاركت العيدروس في أول معرض خارجي في القاهرة عام 2019م، وأيضا في موسم الرياض بالسعودية ضمن قافلة الفن التشكيلي اليمني. قريبًا ستشارك العيدروس في معارض فنية بدول آسيوية وأوروبية.
«هنا طاقات إبداعية عالية جداً.»
في أوائل العام 2020م افتتحت العيدروس مرسمها الخاص، تلاه معمل للحرف اليدوية وتصاميم الذهب والمجوهرات، بالشراكة مع زوجها.
بعد انتشار عملها في السوق المحلي جذب اسمها العديد من المؤسسات والمنظمات المحلية التي تعمل على تمكين المرأة اقتصاديًا. طلبت هذه المؤسسات من العيدروس تدريب الفتيات والنساء وعقد ورش للأعمال الحرفية والتصاميم.
رحبت الفنانة بذلك من منطلق المسؤولية الاجتماعية ودرّبت العديد من النساء في ورش ودورات حرفية متعددة، من أهمها الرسم على الأقمشة والجلود الذي نتج عنه تطوير معمل محلي لصناعة الحقائب الجلدية.
ورغم ما تبذله وزارة الثقافة من جهود نحو دعم الفنانين والمثقفين في البلد الذي يشهدُ اضطرابًا وسوء اقتصاد إلا أن فنانين مثل الحضرمي والعيدروس تجدان دور الوزارة غائبًا عن المشهد الثقافي. «هنا طاقات إبداعية عالية جداً لكن للأسف لم تلق الدعم من المؤسسات الحكومية خاصة مكتب وزارة الثقافة والسياحة»، تقول العيدروس.
كذلك يجب على الفنانين والفنانات دعمهم أنفسهم وبعضهم البعض. «يجب إيجاد ملتقيات فنية بين الفنانين لمناقشة قضايا الفن الحالية والمستقبلية»، تقول العيدروس.
تأمل العيدروس أن يصبح متجرها ومعمل الحرف الذي أنشأته في بيتها دارًا متكاملة من الصناعات. وتتفاءل بشأن مستقبل الفن في اليمن ووصفته بـ «الأكثر إشراقاً».
«في زمن هو أسوأ ما مر على العربية السعيدة»ـ تمْتنّ العيدروس للحظة التي عادت فيها إلى اليمن. «هنا حققت ذاتي، واستطعت أن أشق طريقي رغم كل المعوقات والظروف.»