في مطلع مارس ٢٠١٦م، تعرّضت دار المسنّين في منطقة الشيخ عثمان في عدن، التي أنشأتها مؤسسة الأم تريزا سنة ١٩٥٣م، لهجوم مسلح قُتلت خلاله أربع راهبات كاثوليكيات. أصبحت الدار بعد ذلك تحت الإدارة المباشرة لوزارة التنمية الاجتماعية. تعلو الدار، التي تحيط بها أسوار مرتفعة، لوحة مكتوب عليها دار رعاية المسنّين.
تقدم الدار اليوم المأوى والرعاية لـ ٤٣ مسنًّا و١٦ مسنّة من مختلف محافظات البلاد، تتراوح أعمارهم بين ٥٠ و١٠٠ سنة. يقول مدير إدارة دار المسنّين علي عيدروس، ٤٩ سنة، أن «الأولوية تُعطى للمسنين من فئات المهمّشين والنازحين». تتكوّن الدار من ثلاثة عنابر اثنان منها للرجال وواحد للنساء فضلًا عن صالات للتلفزيون والطعام وساحات خارجية يجتمعون فيها، إضافة إلى المطبخ ومكان لغسل الملابس والحمامات. تضم الدار كذلك مزرعة فيها أشجار مختلفة مثل أشجار الزيتون، الليمون الحامض والحناء، كما توجد بعض الحيوانات في المزرعة مثل الغزلان، الطاووس، الديك الرومي، الكناري، الدجاج، الأغنام والبط.
مأوى وعائلة
تستقبل الدار النزلاء الجُدد بمجرد تقديم أحد أفراد عائلة المسنّ أو المسنّة أو فاعلي الخير طلبًا بذلك. بعد الحصول على نتائج فحوصات الأطباء، يتم تحديد مستلزمات كل نزيل من أدوية وطعام مخصّص.
يعاني معظم المسنّين من أمراض مزمنة، الخرف والنسيان، وهذا يزيد الأعباء على إدارة الدار التي تلتزم بتقديم الرعاية لهم مثل نقلهم لمشافي خاصة. في غالب الأحيان، تكون تكلفة هذه المشافي عالية، فلا تقدر الدار غالبًا على تغطيتها، مما يؤدي لرفض تلك المشافي استقبال المسنّين.
تقول كفاح عبد الله* ٥٩ سنة: «أقاربي تعبوا من إعالتي، وجابوني إلى دار المسنّين.» عاشت عبد الله مع أقاربها منذ أن كانت صغيرة. كانت تتمنّى سابقًا لو أنها تزوّجت وأنجبت أطفالًا يساعدونها عند الكبر، لكنها ترى أن ذلك لم يساعد الآباء والأمهات في الدار، الذين لم يتمكّن أطفالهم من رعايتهم، والسبب في أغلب الأحوال الأزمة الاقتصادية الخانقة.
هذا هو حال صادق يحيي*، ٦٣ سنة، الذي يرى في ذلك خذلانًا له. على الرغْم من ذلك، يختار يحيي التركيز على الجانب المشرق في وضعه ويقول ضاحكًا وهو يبادل أصدقاءه المسنّين أطراف الحديث: «ألعب الشطرنج والكيرم مع أصدقائي المسنّين ونشاهد التلفزيون معًا». عَلاقة يحيي بأقرانه في الدار تزداد متانة يومًا بعد يوم: «هذه هي عائلتي الحقيقية.»
مظاهر التعايش والتضامن كثيرة في الدار بين المسنّين والمسنّات، الذين يجدون في رفقة بعضهم البعض سلوى عن همومهم.
تتبادل المسنّات أطراف الحديث، يساندن بعضهنّ البعض في القيام بالمتطلبات اليومية. تساعد المسنّات اللواتي ما زلن بصحة جيدة الأخريات مثلًا للخروج إلى الساحة والتنقّل لمكان محدّد في الدار.
يقول مدير الدار علي عيدروس أنّ أقرباء المسنّين يزورونهم بعد الاتفاق مقدّمًا مع الإدارة. هذا يمثّل حسبه «دعمًا نفسيًا للمسنّين، مما يسمح لأسرهم بزيارة أقربائهم وتبادل الأحاديث».
تحديّات هيكلية
مع كل الخدمات التي تحاول الدار تقديمها، ترتفع الميزانية التشغيلية للمؤسسة. فمثلًا، تعاني الدار من عدم إمكانية تغطية احتياجات من قبيل آلات رياضية وعلاجية لدعم اللِّيَاقَة الجسدية للمسنّات والمسنّين. تعجز الدار كذلك عن تأمين مخصّص الديزل لمولد الكهرباء، لا سيما في فصل الصيف. إضافة إلى ذلك، تواجه الدار كذلك صعوبات في شراء الأدوية شهريًا والحفاظات والمواد الغذائية.
هذه هي عائلتي
الحقيقية
تضمّ الدار ٣٥ عاملًا وعاملة: مدير الدار ونائبه، مسؤول مالي، مشرف، طاقم تمريض، عمّال في النظافة، عمّال وعاملات غسل وكي ملابس المسنّين وتقديم الطعام لهم، مزارعون، طباخات، عامل صيانة، سائق، وصيدلي. يشتكي العاملون من تدنّي أجورهم، حيث لم تتجاوز رواتب عمال التمريض الشهرية ٣٥ ألف ريال (٣٠ دولارًا أمريكي) شاملة الضريبة.
لكن رغم كل هذه الصعوبات تستمر الدار في تقديم كل ما هو ممكن لنزلائها. أصبح المسنّون في الدار اليوم كعائلة واحدة، روابط التعايش والتضامن بينهم قوية. كلهم وجدوا في الدار رفقة طيبة وخدمات اجتماعية تلبّي حاجيات ضرورية، ترتفع كلما ارتفعت سنوات العمر.
ـــــ
* كل أسماء النزلاء مستعارة.