مَنْ منّا لا يتذكر كم كان للحكايات الشعبية وقْع على مسامعنا أطفالًا، وكيف كنا نتزاحم مساء للجلوس بجوار الجَدّ والجدّة لسماعها والذهاب بخيالنا بعيدًا لتخيُّل شخصٍ أو مكانٍ رغم فارق الزمن والمسافة.
يملك اليمن إرثًا لا يُستهان به من التراث الشعبي المكوّن لفلكلوره العام. هناك محاولاتٌ بِكر نقلت ووثّقت الحكاية التي تناقلها الناس عن طريق الرواية الشفوية منذ القِدم، كفنٍّ لعب الخيال الشعبي دورًا كبيرًا في صياغته، وفي تأطير بعض الأحداث التاريخية والشّخصيات.
في كتابه حكايات من التراث الشعبي اليمني، يأخذ الباحث والفنّان التشكيلي محمد سبأ اليمنيّين إلى عالم الخيال الشعبي عبر كل حكاية.
«حرصتُ على تدوين الحكايات كما هي، أثناء جمعي لها من مصادر عدة، كالرواة الذين قابلتهم وقرأتُ لهم، وكتب الرّحلات، ومراجع تاريخية»، يقول سبأ. «لدينا إرثٌ يستحق منّا أن نوثقه ونحميه.»
قيم التّعايش في حكايات اليمن
ترتبط الكثير من القصص والأساطير اليمنية بقيم التّعايش مثل العدل، مساعدة الآخر، والتكافل. في قصة وريقة الحنا، التي تحاكي قصة سندريلا العالمية، تبرز قيمة التكافل واحترام كبار السّن، من خلال اقتسام وريقة الحنا طعامها مع امرأة مسنّة وعطفها عليها وعملها بنصائحها لتكون سبب سعادتها.
«ترتبط الكثير من القصص والأساطير اليمنية بقيم التّعايش مثل العدل، مساعدة الآخر، والتكافل.»
أما قصة الحبّة، فهي تركز على جانب الاستكشاف والبحث عن العلم لفهم العالم والتّعلم منه. تروي القصة كيف سافر شابٌ متنقلًا من منطقة إلى أخرى لمعرفة ما هو الشيء الغريب الذي عثر عليه. وتكشف خاتمة الحكاية أن هذا الشيء هو حبّة قمحٍ ذات حجم كبير جدًا تعود إلى الزمن القديم،.بسبب الجشع بات حجم الحبّة أصغر، إلى أن صارت على شكل حبّة القمح التي نعرفها اليوم.
من جانب آخر، تكّرس قصة التلويح مزايا التّسامح وعمل الخير رغم صعوبة ذلك، حيث يعفو شيخٌ عن رجل قتل ابنه بالخطأ، بعد أن أظهر هذا الأخير نواياه الحقيقيّة، لمّا دعا بالخير ونزول المطر في منطقة الشيخ.
عبر جمال السرد، يمكن للأساطير أن تتناول الكثير من جوانب الحياة الثرية، القاسية والممتعة، وتُوصّل كذلك القيم الحميدة التي يعتمد عليها المجتمع. لهذا ينصح سبأ بإيجاد قوالب جديدة لهذه الحكايات، حتى يستفيد منها شباب اليوم. «أنصح بتحويل الحكايات الشعبية إلى أعمال درامية، ومسلسلات كرتونية للأطفال؛ لأنّها مهمّة للأجيال؛ كونها تمثّل تاريخنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، وحكمة آباءنا وأجدادنا في التعامل مع الحياة».
بودكاست أرخن
تعمل منصة بن كاست على توثيق التراث الصوتي اليمني، عبر برنامَج بودكاست أرخن المخصّص للحكايات والأساطير القديمة. في اللّغة الحميرية القديمة، أرخن تعني القصّة، والهدف من البرنامج إنتاج محتوى صوتي بقالب نوعي حديث، وفق ما تقوله سرّاء الهادي، ٢٧ سنة، أحد مؤسسي بن كاست. «عندما قرّرنا البدء، أخذنا كُتب الحكايات، وكلٌ منّا حدّد القصة والحكاية التي أعجبته، وبدأ العمل عليها. انصب اهتمامنا نحو الشّباب، ليستمعوا هذه الحكايات.»
الموسم الأول من بودكاست أرخن انقضى، وفيه تم بث تسع حلقات، عمل عليها فريقٌ مكوّنٌ من ١٥ شابًا وشابة، منهم معلّقون صوتيون، كُتّاب، منتجون، مخرجون، ومسؤولو إنتاج. جميعهم متطوّعون مزجوا خبراتهم لإنتاج برنامَج هو الأوّل من نوعه. تسعى سراء وفريق المنصة إلى أن يتوسع القوام ليشمل باحثين متخصصين يتحقّقون من القصص، وأن يشمل الموسم الثاني حكايات محافظاتٍ أخرى، من بينها سقطرى.
استمع أكثر من ١٩ ألف شخص لبودكاست أرخن، امتزجت مشاعر بعضهم مع عوائلهم، فالحكايات الصوتية أحيت فيهم الكثير من الذّكريات. من بين الردود على وسائل التواصل الاجتماعي يقول أحمد الأديب: «هذه أكثر قصة تربينا عليها بأصوات جداتنا الشجي، وأجمل قصة كنا نعيش خيالها قبل النوم». أما مريم القباطي فأشارت إلى كيف تربط هذه القصص بين أجيال مختلفة. «أمي تنتظر للحلقة لما تُبث، ممتع يذكرني بالجدة مريم لما كنت أروح عندها وتجلس تحكي لي»، علّقت القباطي التي دعَت أختها للاستماع كذلك: «اسمعيه أنتِ وبناتك، فأبرار بيعجبها، يناسب خيالها.»