فايز الضبيبي – ريمة
أتابع كباقي اليمنيّين بقلق بالغ سير الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة حاليًا في اليمن، ونتائج المحادثات الجارية بين الأطراف السياسيّة. كلنا أملٌ أن تفضي تلك المحادثات إلى إيقاف الحرب الدائرة في البلاد وإعلان سلام شامل في اليمن، لينتقل اليمنيّون نحو الإصلاح والتنمية وبناء دولة اليمن الحديثة التي يتوق إليها الجميع.
لا أحد يؤيد بقاء الحرب الدائرة في البلاد، بعد أن اكتوى الجميع بنارها، ودخلت معها البلاد في أسوأ أزمة إنسانيّة في العصر الحديث. صارت اليمن من أشقّ أماكن العيش في العالم، في حين كانت تُسمّى العربيّة السّعيدة.
ما نحلم به هو إيقاف الحرب الدائرة في اليمن، وإنهاء الأزمة التي تعانيها البلاد، للولوج نحو مستقبل يعمّ فيه السّلام بين اليمنيّين واليمنيّات، لينعم الجميع بالرّخاء والعيش الكريم.
يدرك اليمنيّون معنى التّعايش فيما بينهم، وعليه، فإن فرص التّعايش السلمي ممكنة في الثقافة اليمنيّة، إذا ما وُجِدت هياكل ومؤسسات تعمل على دعم أي فرصةٍ تؤسسُ لنسيجٍ اجتماعي متشابك.
السبيل إلى ذلك مرهونٌ بوجود إرادةٍ صادقةٍ تطوي صفحة الماضي وتشرع نحو عملية التنمية والبناء والتأسيس لنموذج ديمقراطي ناضج بعيد عن التعصّب بكل أشكاله، وتعزيز ثقافة التسامح بين مكونّات المجتمع اليمني – لاسيما الأجيال الناشئة، التي لم تنغمس بعد في زواريب التعصّب الأعمى.
وبالتالي تأتي أهمية العمل على غرس قيم التّعايش في مناهج التعليم، وسائل الإعلام، الأسرة وأماكن العبادة، لنربي جيلًا حاملًا في تكوينه الفكري والسلوكي ثقافة التّعايش والاندماج في المجتمع، بغضّ النظر عن الاختلافات الفكرية، العرقية، أو الدينية.
من أجل ذلك، ينبغي تضافر جهود كل القوى في البلاد، لا سيما الجانب الحكومي والجهات التعليمية والتربوية المعنية، فضلاً عن المؤسسات والمنظمات التي تعنى بنشر قيم المحبة والسّلام والتسامح بين أوساط الشعب كافة.
على المستوى الشخصي، أصبحت قيم التّعايش هي منهج سلوك في حياتي.
توجّهتُ منذ بدأتْ الحرب الدائرة في البلاد نحو العمل الإنساني والصّحافة الإنسانية، معتمدًا على صحافة التّعايش وبناء السّلام، ومنتهجًا مبدأ الصحافة الحسّاسة أثناء النزاعات، على أمل المساهمة في التخفيف من الأزمة الإنسانية التي أحدثتْها الحرب، وإحياء قيم السّلام والتّعايش بين اليمنيّين.
لقد تكلّلتْ تلك الجهود بحصولي على جائزة الأمم المتحدة للسكان في اليمن سنة ٢٠٢٠م، وانضمامي للعمل ضمن الطاقم الصحفي لمجلة العربيّة السّعيدة، المهتمة بدعم عملية السّلام في اليمن.
لن أتوقف في عملي وفي حياتي اليوميّة عن جعل التّعايش وسيلةً وهدفًا، حتّى نحقّق كيمنيين ويمنيّات ما نصبو إليه: يمنٌ سعيدٌ، عربيّةٌ سعيدة.
~
إصلاح صالح – عدن
خلَّفت الصِّراعات خلال العقود الماضية انقسامات كثيرة، أدّت إلى ثقافة الكراهية التي هدّدت، وما زالت تهدّد، استقرار اليمن ونسيجه المجتمعي.
ما نجده في تاريخ اليمن وحاضره هو أنه عبر المساواة والعدالة فقط يمكننا رسم ثقافات يمنيّة تتجاوز الكراهية نحو السّلام والتّعايش.
رغم كل الصّراعات، إلا أن تاريخ اليمن شاهد على تعايش مختلف الديانات والطوائف. مثلًا، ما زالت الكنائس قائمة في مدينة عدن جنوب البلاد. حتى مطلع العقد الماضي، كان اليهود يتخذون من منطقة ريدة شمال البلاد مقرّا لهم، فيما ظل البهرة يقيمون شعائرهم السّنوية في كل من عدن وحراز شمالًا.
نرى في اليمن كل يوم أمثلة للتّعاون والتّكافل. في الإعلام، الفن، النشاط المجتمعي، التطوّع، وكل مجالات العيش الأخرى، حيث لا يتوقف اليمنيّون واليمنيّات عن بناء يمن التّعايش كل يوم. عبر كل محافظات اليمن ومن كل الفئات المجتمعية، يجتمع أهل اليمن في عملهم الحثيث على ترسيخ ثقافة التّعايش. ما علينا إلا تصفح أعداد مجلّة العربيّة السّعيدة لنجد أمثلة لا تحصى لمن يعملون على بناء مستقبل يتجاوز موروث الحرب الحالية.
بات اليمن أحوج ما يكون إلى إحلال السّلام وبناء الدولة المدنية الحديثة، كضامن وحيد للتّعايش. ما يجب تغييره هو ثقافة الكراهية وتصحيح المناهج التي تم تحريفها وإعادة نشر ثقافة التّسامح والوسطية وقبول الآخر المختلف، وتكريس مفاهيم حق العيش المشترك.
من أجل ذلك، يجب أن يعكس دستور اليمن الجديد عمل اليمنيّين واليمنيّات الحالي لبناء مستقبل التّعايش عبر كفل الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية لكافة أبناء وبنات الشعب اليمني، وضمان العدالة والتنمية لتحقيق الاستقرار. ومع هذه الحقوق، تأتي كذلك واجباتنا كيمنيّين ويمنيّات، كاحترام الغير، التّرسيخ لاحتضان الاختلاف في أٌسرنا وبيئاتنا القريبة، واتّباع مبادئ الوحدة في التّنوّع في حياتنا اليوميّة. التّعايش حق اليمن وتحقيقه واجب على الجميع.
~
محمد محروس – تعز
طفولتي، لم يشفع لي صغر سِنّي من الوفاء بالتزاماتي اليوميّة التي كانت تفوق عمري بمراحل: فتىً في السابعة من عمره عليه أن يذهب إلى المدرسة باكرًا، ومع بداية الزوال يعود وبانتظاره عددٌ من الأغنام التي سيذهب لرعيها. لاحقًا، يعود مع غروب الشمس لجلب الماء، ثم يذاكر دروسه حتى يغلبه النوم — وهكذا كل يوم.
في العطلة الصيفيّة التي كانت تصادف موسم الزراعة والحصاد معًا، كنتُ ملزمًا بجلب الغذاء للأغنام والأبقار باكرًا، ثم الذّهاب على ظهر حمار جدّي إلى الوادي للاحتطاب. ما زلتُ أذكر المرّات التي كان يُسقطني فيها الحمار من على ظهره ليعود إلى المنزل دوني. كانوا يعلنون حالة الطوارئ بحثًا عني، حتى إذا ما همّوا بالخروج ظهرتُ لهم وكلّهم شفقةٌ علّي.
كم خطرًا واجهتُه؟ لا أستطيع أن أحصي ذلك، ولكنني أستطيع القول بأني نجوتُ من كل الصّعاب التي واجهتني. حتى خِيار الذَّهاب إلى المدينة اتّخذتُه وحدي، وواجهتُ فيها كلّ ما لحق بي وحدي.
ها أنذا أوشكُ أن أعلن انتصاري، بعد أن أكملتُ دراستي وتجاوزتُ كل الصّعاب. ذلك الفتى الذي جاء من الرّيف محمّلا بأحلامه، قال في قرارة نفسه: «سأبدأ الآن!» فجأة، اقتحمت الحرب أحلامي وخططي.
الحراك السلمي والمدني الذي لازم اليمن لسنواتٍ، وهي في طريقها إلى التّحوّل المرتقب، انفجر بين ليلة وضحاها إلى حربٍ ضارية. مرّ من عمر هذه الحرب ثمانٍ سنوات، وما زالت تعبث بأرضنا، وإن خفّت فإنها تعود!
«عليك أن تحتمل كل هذه الصعاب كونك تنتمي إلى هذا البلد وحسب، بل وتستمر في حياتك رغمًا عنها. أنت قوي بما فيه الكفاية.» هذه الكلمات ردّدتُها لنفسي، وما زلتُ أردّدُها.
طوال الثلاثة العقود الماضية من عمري، عايشتُ تسع حروبٍ يمنية، منها ما عَلِقَ في ذاكرتي، ومنها ما حُكي لي عنها، وما زال أثرها السياسي والاجتماعي قائمًا. اليمن بلاد خارقةٌ للعادة، تحمل في جعبتها ما يجعلها فنتازية بامتياز. لقد اخترقت بأحداثها وتناقضاتها كلّ ما تمليه الطبيعة البشريّة – لذلك نحبّها، ونزداد تمسكًُّا بها، نحن المولعون بإرثها وتنوّعها.
هي هكذا، استمدت جسارتها وصلابتها من تنوّعها الجغرافي والثّقافي، وحمّلتنا تركةً ثقيلة نحاول اليوم أن نعيد بما تبقّى منها اعتبارها.
لقد لطّخ البعض سمعتها، وأحال حاضرها إلى جحيمٍ بدّد مآثر أمسها، وجعل مستقبلها على حافَة الخطر. ما علينا إلا أن نواجه هذا الواقع الصعب باليمن التي تحتوينا جميعنا؛ اليمن التي لا تفرّق بين أبنائها وبناتها، التي تستقبل ضيوفها بجمالها الفريد وببساطة أهلها الذين لا تعنيهم هذه الحرب، وإن كانوا يتجشمون عناءها، ويدفعون ثمنها رغمًا عنهم.
كم يحدوني الأمل لأرى اليمنيين جميعهم ينفضون غبار الحرب، يطوون سنوات البين والألم، ويتوجهون إلى المستقبل حيث العدالة والسلام؛ كي نصل إلى اليمن التي نريدها، لنا جميعًا، دون تنغيصٍ وأذى – يمنٌ تزهو بها العُربُ انتسابًا!
~
سمر عبد الله - صنعاء
من خلال تجربتي في البحث عن أرضيّة مشتركة للتّعايش في ظلّ التّنوّع، استنتجتُ أن ثقافة قبول الآخر تعتمد على الثقافة الراسخة التي يكتسبها الفرد من أسرته ومجتمعه، من خلال العادات والتقاليد التي تناقلتها الأجيال وحفظتها لقوة تأثيرها.
تتجسّد هذه العادات في أمثالنا الشعبيّة، التي تنظّم سلوك الفرد وعلاقة الجماعة بمجتمعاتها، حتى أصبح لها قوة القانون، وخضع الناس لأحكامها أكثر من احتكامهم للأحكام الشرعية كما ذكر إسماعيل الأكوع في كتابه، الأمثال اليمانية، فالأمثال الشعبيّة هي «أدب الشعب وصوته، وصورته النابضة بالحياة».
مثلا، تمكّن الباحث الحسين ريوش في مؤسسة محمد الأول في وجدة من تحليل مؤسسة الزواج من خلال الأمثال والأحكام الشعبية المغربية، وخلص إلى أن هذه الأمثال «تعبر عن تصوّرات المغاربة حول تحقيق الاستقرار الأسري وبناء مجتمع صالح».
وبالتنقيب عن صورة التّعايش في الأمثال الشعبيّة المتداولة في اليمن، فسنجدها بكل أسف قليلة مقارنة بالأمثال الشائعة التي تحمل مدلولات العنصريّة، من خلال الازدراء من اختلاف الآخر سواء دينيًّا أو عرقيًّا أو مناطقيًّا.
استمرار تداول هذه الأمثال، خصوصًا من أجل الاستشهاد بها على التطبيع مع التّهميش والعنصريّة، يشكّل خطرًا على مستقبل التّعايش؛ نظرًا لقوة تأثيرها. أفادت دراسة ميدانية للباحثة نورية سوالمية أن «تداول الأمثال الشعبية يعطيها المشروعية والشرعية لدوامها واستمرارها في الوعي الجمعي». لهذه الأمثال إذًا قوّة مجتمعيّة مهمّة: كما يمكنها أن تدعو للعنف، يمكنها كذلك أن تمنح السّلام والتّعايش المشروعية والشرعية، عبر تداول تلك الأمثلة التي ترمز للتعايش والقبول بالآخر ونبذ كل ما يدعو للعنصرية – من أجل يمنٍ يحتضن الجميع بكافة أطيافه بسلام ومساواة والشعور بالانتماء.
يمكن للجيل المقبل أن يتعلّم من أمثالنا ليعرف أننا عندما نقول: «اعمل لك في كل وادي دار» فهذه دعوة للاستكشاف، معرفة الآخر، والتعامل بلطف؛ عندما نردّد «البحر واحد والسمك أنواع»، فنحن نعني أن التّنوّع والوحدة ممكنان معًا.
يمكن لليمن بأسره المساهمة في هذا المشروع، ابتداءً من الأسرة التي تمثل القدوة الأولى للإنسان. يأتي المعلّم كذلك ليعزّز في الطفل اكتشاف ثقافات الآخرين واحترامها، وبعد ذلك يأتي دور المؤثرين والمؤثرات، من خلال تكرار رسائل السلام والتّعايش. تمتلك الإعلامية الكلمة التي تقولها لتوعي بها المجتمع بضرورة التّعايش، هذا ويستطيع الفنّانون والفنّانات صناعة الفرق من خلال أغاني تدعو للحبّ والسّلام ورفض كل ما يدعو للتّحريض، أو رسم لوحة تستوعب الجميع لتظهر اليمن بهويتها الجميلة المحتضنة للتّنوع. وطبعا، لا يمكن أن نغفل أن توفير القانونيّين والقانونيات التمثيل والحماية للأقليات المختلفة يضمن بقاءهم.
كلّنا يمكننا العمل من أجل ترسيخ التّعايش في المستقبل، عبر التفكير في مضامين أقوالنا وأمثالنا، وكيفية تأثيرها على تفكيرنا. علينا تفسير سياقها للجيل المقبل وترجمة تلك التي تؤيد العيش معًا في أعمالنا اليومية. هكذا نبني مستقبل التّعايش معًا، في كلّ اليمن.
~
زين العابدين بن علي – مأرب
تضرّر قطاع التّعليم في اليمن كحال باقي القطاعات، حيث طالت الحرب قرابة ثلاثة آلاف مدرسة، وتسببت في خروج قرابة ٢.٤ مليون طفل من الدّراسة، حسب منظمة الهجرة الدولية. لم تترك الحرب وراءها إلا الدّمار.
أثّر هذا الضّرر على الجميع، وخاصّة الفتيات، اللاّتي يعانين قيود مجتمعيّة وتقاليد صارمة تعيق تعليمهن، إضافة إلى المسؤوليّة الثقيلة الملقاة على عاتقهن والضّرر النفسي الذي يلحق بهن جرّاء الزواج المبكّر، فضلا عن تبعات النّزوح والتّهجير وغياب التّعليم في المخيمات.
رغم تلك الظروف ومحدوديّة تعليم الفتيات في مأرب وجميع محافظات اليمن عمومًا، إلا أن نقلة نوعية حصلت ابتداءً من عام ٢٠١٥م. كانت هناك كلية آداب واحدة تابعة لجامعة صنعاء في مأرب تضم ٢٠٠ طالبة. وفي سنة ٢٠١٦م، تحوّلت هذه الكلية لجامعة إقليم سبأ تضمّ سبع كليّات مختلفة منها كليّة الطب، وأصبح في الجامعة قرابة ٣٥٠٠ طالبة، أكثر من ٥٠ في المئة منهن من فتيات مأرب.
قاومت الفتاة المأربيّة الواقع وحوّلت الموانع إلى رافعات تصعد بها نحو القمّة. التدفّق الكبير للنّازحين والنّازحات عادة ما يقابل بالتّذمّر من المجتمعات المضيفة. في مأرب، أدّى نزوح اليمنيّين واليمنيّات من مختلف المناطق إلى ميلاد بيئة جديدة، امتزجت فيها كل هذه الثّقافات التي تداخلت مع الثّقافة المأربيّة. عبر هذا التّفاعل وتبادل الآراء، حُيّدت الكثير من العادات والتّقاليد القبليّة الصارمة التي حالت دون تعليم الفتيات والدّفع بهن إلى المدارس والجامعات.
هذا وبرزت بعض النّاشطات المأربيات، وتصدّرت المشهد محليًّا ودوليًّا مع حصول أخريات على شهادات عليا، مثل الدكتورة ريم بُحَيْبِح، ٣٥ عامًا، الأولى من ثلاث نساء حصلن على درجة الدكتوراه في مأرب، وياسمين القاضي، رئيسة مؤسسة فتيات مأرب، الحاصلة على جائزة المرأة للشّجاعة الدوليّة سنة ٢٠٢٠م، والعضوة في شبكة التّضامن النّسوي والحاصلة على زمالة مبادرة مسار السّلام للقيادة النّسوية. كل هذا شجّع الأسر على الدفع ببناتهم إلى المدارس والجامعات، للتفاخر بما يحققنه من إنجازات. إضافة إلى ذلك، لاحظ سكّان مأرب أن الفتيات المتعلّمات كنّ الأوفر حظًّا في إيجاد فرص عمل أو الحصول على مشاريع تمكين اقتصادي، استطعن من خلالها مساعدة أهاليهن وتوفير الاحتياجات اللاّزمة لمواجهة أعباء النزوح.
شهدت السّنوات الخمس الماضية تغييرًا كبيرًا في مأرب، وتشي الأعوام القادمة بمستقبل واعد للفتاة المأربيّة. هذه الرؤية التفاؤليّة مرهونة بتحقيق سلام مستدام، يشجّع العائلات على دعم بناتهن في التّعلّم. حينها ستعود الحضارة السبئية وتتربّع الملكة بلقيس عرشها مرة أخرى.
~
فاطمة باوزير - المكلا
مرّة شعرنا بالإحباط؛ لأن الأحداث في البلد لا تبشّر بخير؟ كم مرّة شعرنا بالغضب تجاه الحرب، وكل ما له علاقة بواقعنا الحالي؟ وكم مرّة شعرنا فيها بأننا في صراع مع الحياة نفسها؟
لا شك أنها مرّات عديدة لا تُعدّ ولا تُحصى، ولا شك أن الشّعور بالغضب المتصاعد يُدخلنا في دوامة القلق والتوتر والعيش دون استمتاع.
في غالب الأحيان نشعر وكأنه لا حول لنا ولا قوة، فما يثير غضبنا هو خارج دائرة سيطرتنا أو حتى تأثيرنا، وبالتالي نعتقد أن ردّة فعلنا هي كذلك خارج سيطرتنا.
صحيح أنه في مرات عدة لا يكون بإمكاننا تحويل أو تغيير محيطنا الخارجي، ولكن هذا لا ينطبق على محيطنا الداخلي. القبول بهذه الفكرة البسيطة هو مفتاح التّعايش الداخلي في أنفسنا أولًا، ثم السلم المجتمعي ثانيًا، أملًا في التّغيير.
عندما يتعذّر علينا تقرير مصيرنا، ولو فيما يخصّ أشياء بسيطة في حياتنا اليومية، ناهيك عن مصيرنا فيما يتعلّق بقضايا حيويّة ذات صلة بالشّأن العام، علينا أن ننظر داخل أنفسنا ونكون على يقين أن ردّة فعلنا لما يحدث حولنا هي، بشكل كامل، ملك أيدينا.
هذا القبول بقوّتنا الداخلية وتشجيعها هو تحييد لمشاعر الإحباط.
لقد نجحت في ذلك وتحكمت في مشاعري وأعصابي عندما انقطعت الكهرباء عن منطقتنا خلال فصل الصيف، الذي تبلغ فيه درجات الحرارة في مدينتي المكلا قرابة الأربعين درجة مئوية. كنت على يقين أنا ردّة فعلي هي ملكي، ولا يمكن لأحد أن يجبرني على التفاعل مع محيطي بطريقة لا أخترها أنا.
هذا القبول بقوّتنا الداخلية يساعدنا في تجاوز الأفعال والسلوكيات الضّارة التي قد تنتج عن غضبنا وعدم تقبّلنا للواقع. هذا القبول هو بداية للشّفاء من كل ألم ومعاناة.
الوصفة السحرية للوصول للتعايش مع الذات والمجتمع هي في أن نرى الواقع والحياة كما هما، بكل السّلبيات والإيجابيات. وحتى نصل للتّعايش مستقبلًا، علينا أن نفرّق بين ما ليس لنا يَدٌ فيه، وما يمكننا تغييره.
لنحاول تغيير واقعنا من خلال تغيير أنفسنا، فإن الخطوة الأساسيّة للتّغيير تأتي دائمًا من الداخل. الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.