يعمل المأربي خالد علي، ٢٧ عامًا وأب لطفلين، بائعًا للخردة منذ سنوات. بعد تجميعها في محل بسيط، يبيعها بالكيلوغرام. «من أواخر العام ٢٠١٦م كثُرت مخلّفات الحرب من معابر القذائف وظروف الدانات وأغلفة الصواريخ»، يقول علي، الذي ضمّ هذه المخلّفات لمحله وبدأ يبيعها كغيرها من الخردة مقابل مبالغ بسيطة، سواء كانت من حديد أو نحاس.
«ذات يوم هبّت عاصفة شديدة في فصل الصيف، فانهارت مظلّة المحل التي كنتُ أتقي بها من الشمس»، يحكي علي. كان ثمن المظلّة غالي، وكان من الواضح أنه لن يتمكن من شراء مظلة جديدة. هنا جاءته فكرة إصلاحها باستعمال تلك المخلّفات التي تراكمت في محله.
هكذا بدأ خالد علي في ٢٠١٧م في جمع أغلفة المدفعية «١٠٦» وقام بتلحيمها صانعًا أعمدة للمظلة المنهارة. أثار ذلك إعجاب الكثيرين، وبدأت تنهال الطّلبات عليه من المواطنين، خاصة النازحين.
«ما كان أداة للإضرار بنا وسبب آلامنا، نستفيد منه اليوم في حياتنا كوسيلة للسلامة.»
مظلّات، أعمدة للهناجر والخيم، أسرّة نوم وموانع على أسوار المنازل، كل هذا يصنعه هذا الشّاب مُطوّعًا أدوات الحرب والقتل والموت إلى وسائل للحماية والوقاية والمنعة. حيثما تجوّلت في محافظة مأرب، تجد هذه الأعمدة تسند مظلات المحالات التجارية وتدعّم الهناجر وترفع خيام النازحين. يقول خالد إنه باع منها الآلاف، حتى وصلت مبيعاته إلى ٤٠ عمودًا يوميًا.
يقول زين المعنقي، مالك هنجر لبيع الأثاث في مأرب الذي يستعمل هذه الأعمدة في تدعيم هنجره: «ميزة هذه الأعمدة من مخلّفات الحرب هي الصلابة والقوة والمتانة وطول مدة خدمتها، كما أنها لا تتأثر بالصدأ والرطوبة مقارنة بالحديد العادي.»
إضافة إلى ذلك، سعر العمود الذي يصنعه علي منخفض مقارنةً بالأعمدة الحديدية الموجودة في السوق. «الماسورة بطول ثلاثة حتى أربعة أمتار متر سعرها من أربعة حتى ستة آلاف ريال يمني (ما يقابل في مأرب من خمسة إلى سبعة دولارات أمريكية)»، يضيف المعنقي، بينما يصل مبلغ الأعمدة الأخرى ضعف ذلك.
يُقبِل النازحون في مأرب على أعمدة علي بشكل لافت للنظر. فهد صالح، نازح من مديرية صرواح، يحكي أن جودة هذه الأعمدة هي السّبب الرئيسي وراء الإقبال عليها.
«فاض سد مأرب عام ٢٠١٩م، وغمر الماء الكثير من الخيام والعشش في منطقة ذَنَة خلف السد. اندثرت معظم الأدوات و اهترأت الكثير من الخيام والمساكن إلا أننا لاحظنا أن الأعمدة المصنوعة من مخلّفات القذائف لم تتأثّر بهذا الفيضان أو تصدأ كغيرها بل بقيت كما هي.»
هناك خطورة في نقل مخلّفات الحرب إلى ورشة خالد، فبعضها لا تزال بقايا المادة المتفجّرة عالقة فيها وبعضها مخلّفات لم تنفجر. لهذا يحذّر علي من التعامل مع هذه المخلّفات دون المعرفة بخطورتها. عند عثوره على مثل هذه المواد، «نقوم بتجميعها وتسليمها للجهات المختصة في المحافظة ومشروع مسام لنزع الألغام ومخلّفات الحرب، درأً للخطر الذي قد تخلّفه هذه المخلّفات»، يقول علي.
من خلال عمله اليومي، يحاول علي بث روح الحياة والتّفاؤل وقهر الحرب. «صحيح أن الحرب سبب نزوحنا وتشرّدنا ولن نستطيع أن نغيّر الماضي»، يقول فهد صالح.
«لكن الآن، ما كان أداة للإضرار بنا وسبب آلامنا، نستفيد منه اليوم في حياتنا كوسيلة للسلامة من العواصف ولحماية خيمتنا من السقوط».
عبر تطويع أدوات الحرب وتحويلها إلى أدوات سلام يستفيد منها المواطنون في حياتهم اليومية، هكذا يتحدى خالد علي الحرب، عبر مبادرة لمواصلة الحياة.