للإعلام، أكثر من أي وسيلة تواصلية أخرى، القدرة على نشر رسائل التّعايش. يمكن لوسائل الإعلام باختلافها أن تصل لجماهير مختلفة ومتباعدة. ولكن، تبقى الإذاعة، أو الراديو، إحدى أقدم وأسهل الوسائل للوصول إلى مستمعي المناطق النائية أو المركزية، بمستويات تعليمية مختلفة ومن خلفيّات متنوّعة. تمكّن الراديو، على الرّغْم من كل التحولات التقنية في مجال الإعلام، من المحافظة على أهميته وكذلك على معجبيه ومتابعيه. في عصر التّنوّع الثقافي واللّغوي، على الإذاعة، بما أنها تعتمد على الصوت فقط، أن تواكب متطلّبات الجماهير، وتنوِّع من وسائل التواصل معهم، من بين ذلك، لهجاتهم ولغاتهم.
التّنوّع هو صفة لهجات اليمن
تعتمد إذاعة يمن تايمز، التي تأسست عام ٢٠١٢م، في برامجها اللّغة الإعلامية التي تصل للجمهور. لذلك دأبت الإذاعة على تقريب المسافات وردم الفجوات وبناء التّعايش من خلال اللّهجات الأكثر جماهيرية إن صح التعبير، هذا إلى جانب مساهمتها واعتزازها باللّغة العربية (الفصحى والفصيحة) من خلال برامج نوعية دينية وثقافية.
«الصنعانية والتعزية والعدنية والحضرمية بعض من اللّهجات التي ظهرت بها بعض البرامج الهادفة إلى بناء ثقافة التّسامح والتّعايش»، يقول يحيى شرف، مدير إدارة البرامج في راديو يمن تايمز.
«اللّهجة تراث نعتز به ووعاء لإيصال الرسالة مباشرةً»، يضيف شرف.
تعبّر الخالة فطوم محمد، ربة المنزل الخمسينية عن مدى إعجابها ومتعتها بمتابعة موجات الراديو وهي تبث برامجها باللهجات اليمنيّة. «لمّا أسمع المذيعة تتكلم بلهجتنا [الصنعانية] ما أحس بالملل لأني أفهم ما بتقول، وأقدر أشارك معها في الموضوع»، تفسّر محمد.
«اللّهجة تراث نعتز به ووعاء لإيصال الرسالة مباشرةً.»
تبثّ يمن تايمز عدة برامج بقوالب مختلفة، وتلاقي رواجًا وتفاعلًا جماهيريًّا واسعًا، حسب شرف. فحين يسمع المتحدّث بالصّنعانية لهجته على الهواء ويعتز بها، فإن الشغف سيقوده للاستماع للّهجة التعزية. يتبادل المستمعون هذا الشعور وهم يتابعون اللّهجات الحضرمية والعدنية وغيرها مما حظت على إعجابهم وقرّبت بعضهم نحو بعض. «هكذا يمكن لإذاعات الراديو أن تجسّد هوية التّراث المشترك بين الناس»، يقول شرف.
إلى جانب اللّهجات، كانت إذاعة يمن تايمز الأولى تبثّ برامج باللّغات الأجنبية، مثل الإنجليزية سابقًا، والأمهريّة حالياً، من أجل الوصول إلى فئات أوسع، وتبادل الثقافات والتّعايش مع الموروثات. تعمل الإذاعة كذلك على الوصول إلى فئات المجتمع اليمني المهمّشة، مثل ذوي الإعاقة، المهمّشين، النساء والأطفال، عبر برامج مخصّصة لكل فئة.
يعلّق إبراهيم أحمد، عامل النّظافة العشريني المتابع ليمن تايمز منذ ست سنوات، أنه يفضّل البرنامج الصباحي، أحلى صباح، الذي تقدمه الإعلامية سيناء خالد. «مقدمة البرنامج تتحدّث بتلقائية، بساطة وسلالة، وتتميز كذلك بالعفوية»، يقول أحمد، مضيفًا أن البرنامج أثّر فيه بإيجابية. يتعامل أحلى صباح مع مواضيع استفاد منها أحمد كثيرًا كفن التعامل مع زوجته وأطفاله. «أصبحتُ أكثر احتواءً لأطفالي وأيضا صِرتُ أساهم أكثر في أعمال البيت»، يقول أحمد.
اللّغة البيضاء، أرضيّة مشتركة
تقدّم سيناء خالد، بالإضافة إلى أحلى صباحً، عددًا من البرامج التي تركّز على قضايا المرأة على راديو يمن تايمز.
تحكي خالد عن تجربتها في الاتصال بالجمهور مستخدمةً لغة عامية بعيدة عن العربيّة الرسمية. كثُر الطلب والإقبال على هذه اللّغة، كذلك من طرف المعلنين في الراديو، الذين يجدون قيمة مضافة في إنتاج مادة إعلانية يكون الأداء فيها قريبًا من المستمع.
المقدمة سيناء خالد في راديو يمن تايمز.
© سليمان أحمد | مجلة العربيّة السّعيدة
اللّغة البيضاء كما تسمّى في اليمن، هي لغة مبسطة تتفادى استعمال مفردات معقّدة من جهة، وليس لها ميل للهجة محدّدة، بل هي سهلة الفهم في كل اليمن. تُعتبَر هذه اللّغة البيضاء جسرًا يربط بين مختلف اللّهجات، وتُمَكِّن مُتحدّثها من تقديم بعض المفردات المختلفة من لهجته على نحو سلس.
«مخاطبتي للجمهور باللّغة البيضاء وتطعيمها بمفردات من لهجتي التعزية عزّزت من الاندماج مع المستمعين، حتى صارت تثير تساؤلاتهم عن معناها ويردّدونها على ألسنتهم»، تقول خالد. هذا التعلّم ليس أحادي الاتجاه، فالعكس كذلك صحيح. «لقد اكتسبتُ كذلك مفردات من لهجات المستمعين المتعدّدة»، تضيف خالد.
في طريقة خالد في تقديم برنامجها وما تقوم به إذاعة يمن تايمز بصورة عامة دروسٌ في التّعايش، ربما يمكن تعميمها في مناطق ومجالات أخرى: عبر البدء من أرضية مشتركة، مثل اللّغة البيضاء، يمكننا التعلّم من تنوُّع بعضنا البعض، باحترام متبادل، ورغبة في الاستطلاع، من أجل مستقبل يضمّ الجميع.