المهمّشون مصطلح يطلق على فئة اجتماعية «ينتقل الانتساب إليها عن طريق الوراثة، وترتبط بأنواع معينة من المهن»، حسب تقرير إيصال أصوات المهمّشين لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية. «هناك محظورات اجتماعية قوية تمنع زواج الأفراد من فئة المهمّشين من الفئات الاجتماعيّة الأخرى، كما يُمنع أفرادها من حمل الأسلحة أو تملّك العقارات.» ظلّ المهمّشون يعانون في كافة مجالات الحياة مثل التّعليم، عمالة الأطفال، العنف الجنسي والجنساني، السّكن والمأوى، العمل والحصول على المساعدات، حسب نفس البحث. أدّى الصراع الدائر في البلاد إلى تدني مستوى التّعايش والسّلام في اليمن، ما أدّى إلى ارتفاع هذا التمييز القائم ضد المهمّشين والأقليات الأخرى، حسب تقرير حتى الحرب تُهمّش، للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات.
«في اليمن لا يمكن أن يكون هناك قبول ومساواة إلا بقبول بعضنا البعض كمواطنين يمنيّين أولًا، وأن ندرك أن اليمن مِلْكُنا كلّنا، ثروة وسلطة»، يقول يحيى صالح الصليحي، رئيس المنظمة اليمنية لمناهضة التمييز.
المنظمة اليمنية لمناهضة التمييز هي منظمة حقوقية
إنسانية تأسّست سنة ٢٠١٢م في صنعاء، وتعْنَى بقضايا المهمّشين في اليمن، رفع مستوى الوعي الحقوقي والتعليمي والثقافي في أوساط الفئة المهمّشة، والدّفاع عن حقوقهم. بسبب الحرب وعدم توفّر الدعم والتمويل لمشاريع المنظمة، فقد تراجع أداؤها وأصبح مقتصرًا حاليًا على رصد وتوثيق الانتهاكات التي تتعرّض لها فئة المهمّشين.
من أجل تجاوز هذه التهميش وعواقبه، «علينا العمل
من أجل إيجاد دولة يمنية للجميع»، يقول الصليحي، «ويكون ولاؤنا كمواطنين للدستور والقانون، لا للعُرف أو القبيلة أو الحزب، وبهذا سوف يتحقّق حلم اليمنيين بالتعايش والمساواة».
نساء اليمن في معاناة ضد تمييز راسخ
مثّلت الدولة المدنية شعارًا للانتفاضة الشعبية في اليمن،
وفي الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، تضمّنت التوصية الأولى للجمعية التأسيسية، أن تنصّ ديباجة الدستور اليمني المستقبلي على ضمان «مبادئ المساواة في المواطنة وكرامة وحقوق المواطنين في اليمن والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون في ظلّ دولة مدنية ديمقراطية».
هذا ونصّت المادة الأولى من مشروع مسودة الدستور اليمني لعام ٢٠١٥م، على أن «جمهورية اليمن الاتحادية هي دولة اتحادية، مدنية، ديمقراطية، عربية إسلامية، مستقلة وذات سيادة، على أساس إرادة الشعب والمواطنة المتساوية وسيادة القانون».
هذه النصوص الإيجابية تتناقض مع الواقع اليمني. ففي السنوات الماضية، ظلّ اليمن في مراتب متأخرة في أغلب مؤشرات الفجوات بين الجنسين. ليست الحرب السبب الوحيد. مثلًا، احتل اليمن المرتبة الأخيرة في الفجوة العالمية بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي، على مدى السنوات الـ١٣ الماضية.
حسب مركز العربيّة السّعيدة للدّراسات في تقرير تحت عنوان تأثير الحرب في العنف ضد النساء والفتيات في اليمن، «كانت المرأة في اليمن أقل قوةً في المجتمع من الرجل، وكان العنف ضد النساء والفتيات، قبل اندلاع النزاع في اليمن مشكلة متكرّرة، لا سيما في إطار الأسرة». أدّى الصراع إلى زيادة العنف ضد النساء في اليمن، حيث ارتفع عدد النساء اللواتي يواجهن خطر العنف القائم على النّوع الاجتماعي خلال السّنوات الخمس الماضية من ثلاثة إلى ستة ملايين ونصف، حسب تقارير صندوق الأمم المتحدة للسّكان.
مصير متداخل
رغم واقع التّهميش والتّمييز في اليمن، إلّا أن العديد من اليمنيّين واليمنيّات ظلّوا يعملون من أجل ونحو التّعايش. إذا كان هناك من درسٍ نستخلصه من أحداث السنوات العشر الماضية، وفقًا للكاتب والصحفي المستقل محمد العلائي، ٣٧ عامًا، فهو «أن مصيرنا كيمنيين أصبح متداخلًا ومتشابكًا كما لم يكن من قبل، وعلى نحو لا نستطيع تجزئته».
«عندما يسود هذا النوع من التّفكير والوعي، سيخلق أرضيةً مشتركةً للعمل الوطني، يمكن الوقوف عليها لإعادة تكوين دولة اليمن»، يضيف العلائي.
ترابط مصير جميع اليمنيّين هو أرضية مشتركة يمكن من خلالها «استئناف الحوار حول القضايا الجدلية التي أثيرت في مؤتمر الحوار، ومنها مشروع الدولة المدنية وتوزيع السلطة والثروة على نحو يضمن تعزيز الاندماج الاجتماعي»، يقول الدكتور عبد الكريم غانم، دكتور في علم الاجتماع السياسي وباحث مع مركز العربية السعيدة للدراسات.
عبر الحوار، يمكن تعزيز أفكار التصالح، تقبّل الآخر المختلف ومبدأ المواطنة المتساوية. هكذا يمكن الوصول إلى دولة تجسّد كل مؤسساتها التنوّع، لنكفل تحقيق المتطلبات الضرورية لإدامة التعايش السلمي، لاسيما بعد الحرب. ستمكّننا دولة التّنوّع كذلك من تجنّب المعوّقات التي تهدّد بإعادتنا إلى اللامساواة، عدم الاستقرار، وحتى الاقتتال وسلب الحقوق.