كأيّ أم أرغب في أن تحصل طفلتي على تعليم أفضل. لهذا قرّرتُ أن أُلحقها بإحدى المدارس الخاصة في مدينة عدن، بعد أن أعلنت المدارس الحكومية إضرابها عن التعليم.
تفاجأتُ فور وصولي بالرسوم المطلوبة للتسجيل والتي وصلت إلى ألف دولار أمريكي أي ما يعادل مليون ريال يمني، أو راتب موظف يمني لمدة عشرة أشهر. هكذا أصبحت تلك المدارس حكرًا على ذوي الدخل المرتفع، ويبقى الطلّاب الذين ينحدرون من أسر محدودة الدخل في المدينة بين مطرقة ارتفاع رسوم المدارس الخاصة وسندان إضرابات المدارس الحكومي، ما يجعل الآباء والأمهات يشعرون أنه لا حيلة لهم.
تقف مدرسة ريدان للبنات في عدن كاستثناء لهذه الحقيقة المرّة. عندما تدخل المدرسة، تصلك أصوات الطالبات إما من ساحة المدرسة، أو من مختلف الصفوف التي تركّز على مجالات مختلفة ككرة التنس، الألعاب الفكرية، الشطرنج، الحاسوب، التدبير المنزلي، والبيئة. توفّر المدرسة كذلك مكتبة مصغرة، مكتب للأخصائية الصحية، مختبرًا، مسرحًا واستراحة.
مدرسة ريدان مدرسة حكومية كغيرها من مدارس عدن، ولكنها تتميز بجذبها لدعم إضافي عبر مشاريع مشتركة مع مؤسسات مختلفة.
تقول الأستاذة رجاء قحطان، مديرة مدرسة ريدان،
أن هناك منظمات مثل رعاية الأطفال التي توفّر لهم بعض الأدوات والمواد القرطاسية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي التي توفّر بعض المواد الرياضية. هذا وتشارك المدرسة في
عدد من الأنشطة التوعوية ضد التّنمّر مثلا، بما يعود بالنفع
على الطالبات.
تأهيل بنيوي
كل هذا الوصف الإيجابي لمدرسة ريدان لا يعني أنه لا ينقصها شيء. تحتاج المدرسة إلى بعض التحسينات منها ترميم ساحة المدرسة، إضافة سِلال القمامة، وطلاء المسرح. تختلف الحاجة للتأهيل البنيوي من مدرسة إلى أخرى، حيث تسبّبت الحرب في انهيار المنظومة التعليمية في اليمن وتدمير بنيتها التحتية. مدرسة واحدة على الأقل من بين كل أربعة مدارس إمّا دُمّرت كليًا أو جزئيا أو استُخدِمت لأغراض غير تعليمية.
تقول مديرة مدرسة اقرأ الأهلية، الأستاذة إيمان صالح،
٣١ عامًا، إن الجهود التي تُبذل من قِبل وزارة التربية والتعليم لمعالجة الأضرار المادية التي لحقت بالمباني المدرسية ومتطلباتها غير كافية، حيث «يحتاج الأمر إلى جهود كبيرة تُبذل من
قِبل الجميع».
بخلاف تدمير مباني المدارس، أدّت الحرب كذلك إلى تقويض النظام التعليمي عبر إجبار المعلّمين والمعلّمات على التخلّي عن مهنتهم. ثلثي العاملين في مجال التدريس لم يتسلّموا رواتبهم بشكل منتظم لمدة أربع سنوات، حسب تقرير اليونيسف، عندما يتعرقل التعليم.
يرى المعلّم في مدرسة الخنساء الحكومية شمسان الحربي، ٤٢ عامًا، أن الدولة ليس لديها توجّه لمعالجة مشكلة رواتب المعلمين المتراكمة. «أصبح راتب المعلم لا يغطي شيئًا من تكاليف معيشته، رغم وجود حلول كثيرة ممكنة»، يقول الحربي.
يعتمد تخصيص المزيد من الموارد المالية للتعليم على إصلاحات بنيوية أوسع نطاقًا، بما في ذلك مكافحة الفساد.
«لو تم إجراء إصلاحات بسيطة للحدّ من الفساد فإن ذلك سيكفل توفير رواتب المعلمين ولن يكون هناك حاجة للبحث عن تمويل إضافي»، يفسّر الحربي.
ستمكّن هذه الموارد من حلّ عددٍ من المشاكل في مدارس اليمن، مثل «نقص الكتب الدراسية، وازدحام الفصول في
ظل أجواء صيفيةٍ حارة»، كما تقول صالح. هذه الإصلاحات ستساهم وفقًا لها في «خلق بيئة تعليمية تربوية هادفة».
تأهيل معنوي
بالنسبة لمستشار وزير التربية والتعليم الأستاذ عوض عبد الله نبهان، فإن مجرد وجود المدارس هو أساس للتّعايش. «آلاف الطلّاب يتوجّهون يوميًا للدراسة ومجرد لقائهم بعضهم ببعض في الصفوف الدراسية وفي الشارع يخلق الألفة والمحبة وهذا يساعد على التعايش الإيجابي بينهم»، يقول نبهان.
رغم أن هذا صحيح في الكثير من الأحيان إلا أن المدارس تُعتبر كذلك من أكثر البيئات تعرُّضًا للتنمر لما فيها من احتكاك بين الطلاب وزملائهم بشكل شبه يومي.
يتّبع عددٌ من المدارس منهج التعريف بالتّنمر، وكيفية الحديث عنه والتعامل معه. في نشاط قام به مشروع دعم عملية السلام في اليمن التابع للوكالة الألمانية للتعاون الدولي الذي شاركت فيه مدرسة ريدان سنة ٢٠٢١م، تعرّف العديد من الطلبة والطالبات من مختلف أرجاء اليمن على التّنمّر وشاركوا في أنشطة تجمعهم خارج إطار الصفّ المدرسي.
تسعد الأستاذة قحطان، مديرة مدرسة ريدان، لعدم انتشار ظاهرة التنمر في المدرسة. تركّز ريدان على مفهوم التّعايش والسّلام في مختلف أنشطتها وكذلك في الدروس التي تتلاقاها الطالبات.
تقول نجوى أسعد* طالبة في الصفّ الثامن في مدرسة ريدان، إن «ريدان تهتم بتطوير الطالب وتنمية مهاراته، إذ تنظّم العديد من الأنشطة وتجعلنا نحب ونتعلّق بها، هكذا نتفاعل ونطبق تلك المهارات كأسلوب حياة».
يبقى طلاب وطالبات اليمن وأولياء أمورهم، في انتظار تأهيل حقيقي في مجال التعليم يأخذ كل مكونات البيئة التعليمية السلمية في عين الاعتبار، من بنايات مرمّمة، تمويل ملائم وجو آمن. عند تحقيق ذلك، يمكن لجيل الغدّ أن يبدأ برسم ملامح مستقبله.