تُعدّ الألعاب الشّعبية من ثقافة المجتمع، فهي مرتبطة بعاداته وتقاليده. تزخر مدينة عدن بالعديد من الألعاب الشّعبية الممتعة، منها لعبة الكوفية: يجلس عدد من اللّاعبين من الأولاد والبنات في دائرة، ويغمّضون أعينهم. أحدهم يكون صاحب الكوفية (القبّعة)، الذي يدور حولهم. بعد مدة قصيرة، يرمى صاحب الكوفية القبّعة خلف أحد اللاعبين، الذي عليه الآن مطاردته. يصبح صاحب الكوفية فائزًا إذا تمكّن من الجلوس في مكان اللّاعب الجديد دون أن يقوم هذا الأخير بلمسه. يصبح اللّاعب الجديد هو صاحب الكوفية ويبدأ دورًا جديدًا في اللّعبة.
تتذكّر دعاء عبد الرحمن، ٢٧ سنة، والتي تعمل كبائعة في محل تجاري لبيع الملابس، طفولتها التي زخرت بألعاب كثيرة مثل لعبة الفتاتير (كرات البلي)، الشبدلو (القفز على مربعات مرسومة على الأرض)، الكيرم، واتفتحي يا وردة. «كانت تلك الألعاب أول معلّم لنا. كان التّعاون والانسجام بين أطفال الحي واضحًا. قبضة اليد التي فتحنا بها الوردة جعلتنا أكثر محبّةً وألفة.»
الألعاب جزء قديم جدًا من مجتمعاتنا. حسب إيثان موليك، أستاذ مشارك في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا حيث يَدْرُس ويُدَرِّس الابتكار وروح المبادرة، فإن الرسوم على الأهرامات الكبرى تشير إلى أن مجموعات العمال المشاركة في البناء حوّلوا عملهم لنوع من اللّعب، وخصّصوا مكافأة لمن ينقل أكبر عدد من الحجارة. بالنسبة لموليك، فإن هذا يؤكّد أن الألعاب ظهرت كعامل محفّز منذ وقت طويل جدًا.
«اللّعب يُكسب قيم التعاون والمنافسة الشريفة واحترام القوانين والقواعد.»
هذه الألعاب، مع كونها وسائل للمتعة والتّسلية، هي في أحيان كثيرة وسيلة للتفكير والنمو الاجتماعي لدى الأطفال، كما تؤكد دكتورة علم الاجتماع في جامعة عدن، تماني علي سيف. لهذه الألعاب أهمّيتها لأنها «تُنمّي مدارك الطفل وتساعده على التركيز الذهني، وتسهم في تشكيله وتدريبه على الحياة الاجتماعية والتّعايش والاندماج مع الآخر.» تضيف الدكتورة أن اللّعب يُكسب «قيم التعاون والمنافسة الشريفة واحترام القوانين والقواعد، مما يؤهّله بعد ذلك للتّعامل مع المجتمع بشكل إيجابي ومتّزن.»
خلال السنوات الماضية أتاح الإنترنت مشاركة الألعاب مع أي شخص حول العالم، حيث جذبت الألعاب الافتراضية ملايين الأشخاص من مختلف الدول، الأجناس، اللّغات والأعمار. على عكس العديد من المخاوف من أن يؤدي اللّعب الافتراضي إلى الإدمان وسوء الصحة النفسية، وجدت دراسة نشرت من طرف الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة سنة ٢٠٢١م إلى أن يمكن لممارسة ألعاب الافتراضية «أن تكون نشاطا له علاقة إيجابية بالصحة النفسية للاعبين». كما هو الحال مع الألعاب الجماعية المباشرة، فإن الكثير من الألعاب الافتراضية تساعد على كسب عدد من المهارات من خلال التّعايش مع بقية اللاعبين، المشاركة في اللّعب، التدرُّب على اتّخاذ القرار، وتطبيق القيم الاجتماعية في التعامل مع الآخرين وقبول الاختلاف.
العمل على ألعاب افتراضية الهدف منها التّكريس للتّعايش في المجتمع هو لبّ عمل الرسّامة ومصمِّمة الألعاب أبرار باصهي، التي عملت ضمن الفريق الذي طوّر عددًا من ألعاب العربيّة السّعيدة مثل عالم أروى، جمهورية سبأ، طوبة ، وملاذ من ورق.
«في البداية نشكّل فريقًا متكاملًا من مصمّمين، كُتّاب، مطوّرين ومستشارين ونبدأ بورشة عمل بحيث نشتغل كلنا مع بعض في اقتراح الأفكار المبدئية الخاصة باللّعبة.» هكذا تصف باصهي، ٢٧ عامًا، أولى مراحل عملها.
بعد الوصول إلى تصوّر مبدئي للقصة تبدأ المرحلة الثّانية: التّصميم والرّسم. «يقوم فريق التصميم بتصميم شعار اللّعبة، واجهة المستخدم، الأيقونات، الأشكال والشخصيات»، تقول باصهي. بعد ما يكون كلّ شيء مرئي جاهزًا تُرفع الملفّات وتُشارك مع فريق المطوّرين.
عمل باصهي غير ممكّن دون فريقها، فالتّعاون هو أساس تطوير أي لعبة فيديو. إضافة إلى ذلك، يكون التّعايش هو العنصر الأساسي، سواء في قصة اللّعبة أو في تصميمها.
«مثلا، في الرّسم نلاقي شخصيات مختلفة من ذكور وإناث من أعراق ولباس من كل أنحاء اليمن»، تفسّر باصهي. «نحاول أن نرمز بهذي الأشياء الصغيرة إلى أنّ الاختلاف في لون البشرة أو اللّهجة أو اللّباس التقليدي بين اليمنيّين عمره ما كان انقسام، وإنما الاختلاف هذا شي جميل يخلينا نستلهم من بعضنا البعض ونتعايش.»
لا تكتمل أي لعبة دون الحصول على ردّ فعل وآراء فريق الاستشاريين، الذين يلعبون اللّعبة ويساعدون المطوّرين على تعديلها. «بعد كل هذه المراحل تنشر اللّعبة وتصبح جاهزة للتحميل من قبل الجمهور.»
الألعاب، سواء كانت شعبيّة أو افتراضيّة فهي جامعة، إما بين أطفال الأحياء السكنية، أو بين لاعبين من جميع أرجاء العالم. استعمال هذه الطاقة ضروري، ويمكن أن يساعد على بناء أساس متين للتّعايش، يتّسم بالتّعاون واحترام الاختلاف. هذا ما تتّفق معه دعاء عبد الرحمن تمامًا: «لقد كان لهذه الألعاب أثرٌ كبيرٌ في تشكيل مخيّلتنا وتهذيب شخوصنا، وتطوير قدراتنا وغرس مبدأ الانتماء للجماعة وللوطن.» ربما لهذه الأسباب تعود مخيّلتنا للوراء، حيث، كما تقول عبد الرحمن، «لا زالت هذه الألعاب تثير فينا الحنين إلى ذلك الماضي الجميل الذي نتمنى عودته».